الثلاثاء، 24 أبريل 2012

يقبض جمراً في رحلة تشرّد على حقل مسامير...حنا مينة: إذا كف المثقفون عن صوغ الأحلام سقطوا... وتشرنقوا كدود القز

«اسمع يا فصيح! الرجل لا تذله سوى شهوته، فلا تدع شهوتك تذلك» تلك هي نصيحة زودتها به جارته القوادة عندما جاء إليها مودعاً قبل خروجه من اللاذقية حيث دقت ساعة التشرد الطويل.
حينما صار التشرد مهنته التي مارسها وهو يحمل صليبه على كتفيه في أوروبا والصين فإن حنا مينة الروائي العالي يقبض على هذه الوصية- كما يقول- قبضه على جمر الغربة، ورمح الحراس في الجلجلة يطعن في خاصرته فينزّ الدم.
وصية أخرى أو نصيحة يحتفظ بها صاحب «نهاية رجل شجاع» كان سمعها صغيراً من والده «يا حنا الدهر دولاب لا عمك ولا خالك» أما أمه العجوز- كما يروي صاحب مأساة ديمتيرو- في كتاب له صادر عن وزارة الثقافة بعنوان «الجسدي بين اللذة والألم» فلا يعرف لأي سبب كانت تريده أن يكون كاهناً أو شرطياً فلم يكن لا هذا ولا ذاك وبعد أيام السجون والمنافي تواضع حلمها فتمنت لو كان راعياً.


خربشة ومسامير
في حديثه عن الكتابة والشهرة يقول مينة: أعرف تماماً كيف بدأت خربشة الكلمات، لكنني صدقاً، لا أعرف كيف صرت كاتباً مشهوراً، ولن أغش أحداً فأزعم أنه الحظ، لا!! هناك سهر الليالي أيضاً، والسير في حقل من المسامير، تاركاً نقطة دمع في موطئ كل قدم بعد أن طلبت العلم حتى في الصين.

نورس فوق اللجة الزرقاء

مينة الذي يقول: إن بينه وبين النوم عداوة منذ الطفولة، يقول أيضاً إن الطمأنينة لم تعرف سبيلها إلى قلبه ذلك أنه يعيش القلق زاداً يومياً وهذا ما يعتبره من حظه الأبيض فالطمأنينة برأيه تقتل الحب والإبداع ودونهما لا أدب ولا فن ودون الأدب والفن يجد أكثر الناس كل ما حولهم فراغاً لافتقارهم إلى البهجة التي تمدهم بالأمل وبالرجاء في مستقبل أفضل حتى لا تقتلهم الحسرة لذلك تجد مينة يبارك القلق الذي قال عنه بودلير «يا الوحش المفترس» ويبارك القلق لأنه الدافع إلى اكتشاف المجهول ويبارك القلق الذي باركه الفريد دي موسيه، ونفذ إلى سره شاعرنا المتنبي «على قلق كأن الريح تحتي» ويبارك القلق ثالثاً في العيش والكتابة رغم أن القلق- يعقب مينة- جعله يضطرب مثل نورس في ريح العاصفة المجنونة فوق اللجة الزرقاء التي منها أخذ شفاهه وكلماته ويباركه أيضاً لأنه عمّده بالنار الملتهبة- لا بمياه نهر الأردن الطهور- وقد وسمت هذه النار جبينه وظلت جذوتها متقدة في دمه وفي هذا الدم غمس يراعته ولا يزال يستسقيها الأرجوان في شرايينه.

أغلال الحديد.. وجبل الثلج

في نفسه ولنفسه يتساءل صاحب «شرف قاطع طريق»: ماذا لقيت من السياسة وبلواها؟ ولماذا أيها المسافر على جنح غمامة أضعت شبابك في السياسة وهولتها؟ وأي نفع لك ماضياً وحاضراً في أن تقول ما لا يقال وأغلال الحديد قد أكلت من معصميك لحماً نيئاً؟ وهل تحترق أنت بالكتابة في الشأن الداخلي بينما سواك يهرب من هذا الأتون إلى جبل الثلج؟ وكيف نسيت أن سيدة مسؤولة قالت لك وأنت تسألها: لماذا لا تكتبين عن القضايا الداخلية؟ «هل تريدني أن أحترق».

تحرش

لكن صاحب «المرصد» يكتب في الشأن الداخلي ولن يكون هناك حرق أو احتراق وأن كل مقالاته في القضايا الداخلية نشرت من دون «يحترق» ومن دون اعتراض من أي مسؤول حتى على القسوة التي في بعضها ما دامت الغاية في المآل هي تقويم الاعوجاج والتنبيه إلى الخطأ حيثما وقع وحيثما يمكن تداركه في السياسة والاقتصاد.
في الوقت ذاته يعلن صاحب «المرفأ البعيد»: نعم! إنه كاتب سياسي بامتياز، وإنه تعلم أبجدية السياسة من السجون والمنافي، وإن السياسة إحدى تجلياته المفضلة وإن من حقه التحرش بالسياسة من آن لآخر لافتاً إلى أنه لم يكن بهلواناً في يوم من الأيام ومهنة المهرج في السيرك لم تكن مهنته.

السقوط في العدم.. والتشرنق

المثقفون العرب برأي صاحب «المصابيح الزرق» لا يرون حتى في الأحلام ما هو عصي على الكلام عليه في اليقظة ولا يبصرون الأشياء على حقيقتها، من بين الأصابع، ولا تفوتهم، حتى والسهام في أكبادهم أن ثمة في الحياة جراح أحبة عليهم أن يبلسموها، ويدركون أنهم إذا لم يرقوا، إلى ما لا يرقى، على قدم، تقطعت بهم السبل، وعجزوا عن قطف النجوم بأيديهم السحرية، من المجرات التي تضيء دروب الأفلاك في دورانها وأنهم إذا ارتكنوا، كالعقدة، في زوايا السكون أساؤوا إلى قانون الحركة وإذا كفوا عن صياغة الأحلام سقطوا في العدم وإذا لم يستأنفوا ضد ما هو كائن في سبيل ما يكون انحطمت أقلامهم وتبدل حبرها الذي ذهب إلى حبر من ماء آسن وإذا تغذوا بأوراق التوت على موائد كان مصيرهم التشرنق كدود القز وإذا فقدوا شجاعة القلب تحولت الثريات في الجانب الأيسر من الجسم إلى شحم منه الورم الذي عابه المتنبي على ابن خالويه.

السمكة.. ونقيق الضفادع

في رسالته إلى نصفه المجنون يخاطب مينة نفسه بـ«يا فصيح» ويقول فيها: تكره نقيق الضفادع وقد يكون هذا ناشئاً عن وهن في أعصابك لأنك كما ترغب أن تصف القلم بأنه مبرد وأن هذا المبرد برى، أو أتلف أعصابك وهذا وصف يقارب الدقة إلا أنه نقيق ضفدعة هي أنت، أيها السمكة في بحر ولا تعرف أنها في بحر والنقيق المكتوم في ذاتك يحسن بك أن تخرجه إلى العلن لمصارحة الذين حولك بالحقيقة التي تأبى الاعتراف بها مع أن الاعتراف يريحك وعندئذ يكف النقيق الذي في داخلك حول الرغبة في الموت أو في الحياة وما دامت الكتابة هي خلاصك في هذا العالم فلماذا الاختباء وراء إصبعك؟ ولماذا تخفي حقيقة أنك تريد أن تكتب وتكتب وفيها اعتراف بأنك ترغب في أن تعيش؟

وسواس.. إدمان وظمأ

إذاً أنت يا فصيح- يعقب مينة- تنق وتشدد في الوقت نفسه على كرهك للنق والمسألة هنا من طبيعتك ككاتب والكتاب والفنانون ليسوا على صلح مع الحياة.. لأجل ما هو أفضل... الذي حماك يا فصيح من الانحدار إلى جحيم موبقات أنك جئت من السياسة إلى الأدب وليس العكس وأنك ناضلت بالجسد وأن مشكلتك نفسية ومن النوع الخطر فأنت مصاب بالوسواس القهري وقد انتبهت إليه وصارعته طويلاً ولا تزال تصارعه وفي صراعك الوحشي هذا مع الذي يُحس ولا يرى استعنت بالحبوب المهدئة من جميع الصنوف والمصادر فانتقلت من الوسواس إلى الإدمان ومن علاماته كثرة التدخين وسرعة الانفعال وانتفاء الرضى وخبث اللاشعور والظمأ العاطفي والبحث دون جدوى عن شيء لا تعرف ما هو عبرت عنه بقولك: «أنا نصف مجنون ونصف عاقل وأفضل نصفي المجنون على نصفي العاقل».

خبزنا اليومي... صمت وخجل

مينة صاحب «الثلج يأتي من النافذة» يسجّل أن أجمل ما في الحب هو الإمساك عن الكلام عليه، وترك التعبير عنه لومضة العين أو رفة الهدب أو حرارة اليد، أو تمسيدة الشعر، أو الذهاب مع القبلة في هنيهة من تخوم البداية إلى حافة النهاية، القبلة التي تكتب ذاتها على الشفتين، الوجنتين العنق، حبة القلب ثم يكون الصمت أبلغ، فنصمت، لأننا في الزمن الرديء هذا قد فرضوا علينا الصمت ومع الأيام والأعوام، ألفناه، اعتدناه، صار خبزنا اليومي وزاده سفرنا إلى الخجل حتى من أنفسنا.

نار في الراحتين.. ومطارق على الصدغين

صاحب «حكاية بحار» كثيراً ما سئل عن هاجسه الأدبي، وكثيراً ما أجاب أنه يجرب ويتثاقف ثم يكتب ذلك أن رأسه مملوء بالأفكار، بالرؤى، بالشخوص الروائية التي لا تفتأ تطارده طالبة أن يكتب عنها، أن يخلقها أدبياً، أن يجعلها ترى النور، هي التي عاشت في ظلام دامس بين طاسة الرأس والدماغ على شكل هيولى.
وحده قادر من خلال المعاناة في التجارب على تجسيدها على نفخ الروح فيها لتسعى حية بين الناس.
ويقول مينة: إنه عاش الهواجس على تعددها، تنوعها، تلاوينها وتهاويلها أيضاً ورغم أن مينة كتب الرواية والقصة والمقالة والدراسة في مختلف الموضوعات إلا أن النار- كما يقول- لا تزال تشتعل في الراحتين وتتوهج جذوتها بين الأظافر وتنبت كالفطر البنفسجي على رؤوس الأنامل وعليها أيضاًٍ تتخلق شخوص عبثاً حاول مينة نسيانها، الإشاحة عنها، الاختباء منها الهرب إلى الجنة أو جهنم فراراً من مطارقها التي تدق على الصدغين أبداً.. وهنا يرى صاحب «المستنقع» أنه على الكاتب أن يكون أو يعرف متى ينبغي أن يكون قابلة ومتى يكون حفار قبور.

كلمة... مقص.. أزاهير

صاحب «بقايا صور» كان من الحالمين وكان (حلمه كما يقول) أن يغيّر العالم بالكلمة لا بالمقص لأنه كان حلاقاً على باب ثكنة زبائنه من الجنود الفقراء الذين يتناسب فقرهم مع فقر دكان الحلاقة لكنه وبعد عقود من الكتابة في الرواية التي برع فيها يعتبر نفسه كاتباً بسيطاً يؤلف حكايات رائجة بسبب أنها مسلية وأنها فوق ذلك أو قبله مضبوطة الإيقاع، حسنة التشويق لا تحلم بتغيير العالم لأن هذا ليس دورها وإنما تطرح القضايا طرحاً صحيحاً يصوغ وجدانات الذين يعملون لتغيير العالم عن طريق البذل والتضحية ومقاربة النار التي تتفتح أزاهير عذاب على أناملهم.


علي الحسن - جريدة الوطن 
 2012-04-24

الجمعة، 13 أبريل 2012

الخميس، 5 أبريل 2012




فراس السواح (1941 )
مفكر سوري ولد في مدينة حمص سورية    يبحث في الميثيولوجيا وتاريخ الأديان كمدخل لفهم البعد الروحي عند الإنسان.
يقول: " الدين والأدوات هما أولى النواتج الثقافية للجنس البشري. الثقافة هي الشيء الوحيد الذي يميِّز الإنسان عن المملكة الحيوانية. فإذا أخذنا فصيلة الأسود، مثلاً، فمنذ ملايين السنوات إلى الآن، لم تترك لنا الأسود سوى العظام. القرد قد يستطيع أن يستخدم أداةً ما ليصل إلى موزة، لكن هذا القرد، منذ ثلاث أو أربع أو خمس ملايين سنة، هو هو، لم يتغير، لم يترك لنا نتاجًا معينًا. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع ثقافة؛ أي أنه يوسِّط بينه وبين الطبيعة أفكارًا وأدوات. هاتان السِّمَتان الثقافيتان لا أجد ثالثة لهما. فمن الدين نشأت الأفكارُ كلُّها، ونشأت العلوم الإنسانية كلُّها؛ ومن الأدوات نشأت التكنولوجيا، ونشأ العلم . "

من أهم مؤلفاته:

- مغامرة العقل الأولى . دراسة في الأسطورة 1978.
- لغز عشتار. الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة 1985.
- كنوز الأعماق. قراءة في ملحمة جلجامش 1987.
- الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم 1989.
- دين الانسان. بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني 1994.
- آرام دمشق واسرائيل. في التاريخ والتاريخ التوراتي 1995.
- الأسطورة والمعنى. دراسات في الميثولوجيا والديانات المشرقية 1997.
- كتاب التاو وإنجيل الحكمة التاوية في الصين 1998.
- الرحمن والشيطان. الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية 2000.
- موسوعة تاريخ الأديان تتألف من أربعة أجزاء 2004.
- مدخل إلى نصوص الشرق القديم 2006.
- الوجه الآخر للمسيح،مدخل إلى الغنوصية المسيحية 2007
في بداية الانتفاضة السورية ( المزعومة ) وجد فراس السوّاح نفسه مدفوعاً للتعبير عن رأيه في حراك الشارع. انطلاقاً من رصيده الفكري الذي راكمه خلال العقود الثلاثة الأخيرة. كتب على صفحته في فيسبوك أفكاراً تدعو إلى العقلانية، وعدم الانزلاق إلى مستنقع الحرب الطائفية. حذّر أيضاً من الشعارات التي تحرّض على تفتيت المجتمع السوري وانقسامه من خلال التسميات التي تُطلق على أيام الجمعة. لكنه فوجئ بحجم الهجوم المضاد، والتخوين الذي ناله جرّاء هذا الطرح، فما كان منه إلا أن أغلق صفحته على الفور، مودّعاً قرّاءه بقوله:  ( في زمن القتلة والجنون الجماعي لأمة بأكملها، تنسحب الحكمة إلى مخبئها، ويغدو صوت الحق مثل نهيق حمارٍ تائهٍ في الصحراء لا يسمعه أحد. لذا، فإن العاقل ينكفئ على نفسه ويختار الصمت).
المفكّر السوري الذي كان يحشد جمهوراً استثنائياً خلال ندواته، اكتشف فجأة أنه حيال هيجان جماعي لـ«مصادرة العقل»، هو الذي اشتغل طويلاً في كتبه وأبحاثه على «تحرير العقل» كما يقول. في تعليقاته على فيسبوك، تحدّث عن (الثورة المخترقة) من جهات عدّة، أبرزها الأصوليات الإسلامية، وثقافة الثأر المتأصلة في السيكولوجيا العربية، و«الجهات الشبحيّة» (التي تطلق التسميات على أيام الجمعة)، ومعارضة المقاعد الوثيرة من دون أن يستثني السلطة في قمع التظاهرات السلميّة وتأجيج الصراع.
يوضح رؤيته إلى الثورات العربية قائلاً: «الانتقال إلى الديمقراطية يحتاج إلى تمرينات شاقة. لا بدّ من التطوّر التدريجي، وإلا فلن نجد ثورةً ناجحة». هكذا عاد إلى مواقعه القديمة لاستكمال مشروعه حول «حفريات النصوص المقدّسة» بنظرة مغايرة تسعى إلى هدم «سلطة النص» وتحريره من قدسيته التاريخية: «أقرأ هذه النصوص بوصفها متناً أدبياً، متجاوزاً طغيانها المقدّس من خلال تفكيكها وإعادة تركيبها، ووضعها في مقامٍ آخر».
لا يقف السوّاح عند باب اليقين مرّة واحدة في رحلة تشوبها الريبة من الإيديولوجيات الجاهزة. كتابه الأول «مغامرة العقل الأولى» (1978) أحدث ضجّة غير مسبوقة بين صفوف القراء. في أوج صعود الإيديولوجيات اليسارية، اختار فراس السوّاح حقلاً معرفياً مغايراً، هو دراسة الأسطورة وشعائر وطقوس الديانات القديمة في سوريا ووادي الرافدين، بحثاً عن وحدة التجربة الروحية. وإذا بالكتاب يشق طريقه منفرداً إلى الواجهة، في طبعات متتالية، لم تتوقف حتى اليوم. ينفي صاحب «الأسطورة والمعنى» (1997) أنه باحث في الأسطورة، بقدر اعتنائه بما وراء الأسطورة لجهة الحداثة واكتشاف الجذور وإطاحة سلطة النص لمصلحة «سلطة العقل» من خلال التفسير والتأويل. وهو بهذا المعنى باحث في تاريخ الأديان من موقع فينومينولوجي: يصف الظاهرة من دون الحكم عليها، على عكس ما تتكفل به الدراسات التي تنتمي إلى نقد الفكر الديني. ذلك أن الأساطير، حسبما يقول، هي حكايات مقدّسة، أبطالها من الآلهة، وتالياً، فهي المنبت الأول للنصّ الديني.
ابن العائلة الحمويّة الأزهرية التي استقرّت في حمص مطلع القرن المنصرم، عاش في فضاء تنويري، أتاح له أن يختار طريقه بنفسه. درس الاقتصاد في جامعة دمشق، ثم انتسب إلى قسم الفلسفة، ولم يكمل دراسته، إذ لم يجد جديداً في المنهاج. في مطلع شبابه كان قريباً من الإخوان المسلمين، ثم غرق في الماركسية، وأحسّ لاحقاً بقربه من القوميين السوريين. يقول مستدركاً: «لكنني لم أنتسب إلى أيّ من هذه الأحزاب يوماً. أقترب من الأفكار، وأبتعد عن الإيديولوجيات. الانتماء إلى الجماعة يؤدي إلى الذوبان».
اهتمامه بالتراث الإنساني القديم لا يعني تقديسه لهذا التراث، بقدر ما هو اتكاء على نصّ منجز بقصد العبور إلى ضفاف نص آخر. «ينبغي ألا نكون أسرى الماضي» يؤكد. هذه التصوّرات تضعه على مسافة من اشتغالات الآخرين على التراث، أمثال محمد عابد الجابري الذي كان يعمل في «دائرة ثقافية مغلقة»، والطيب تيزيني الذي عدّ منجزه «مجرد حركة مصطنعة في مياه راكدة». أما أدونيس، فهو لم يغادر منجزه في «الثابت والمتحوّل»، و«بقي متخندقاً في مذهبيته الضيّقة». يستثني السوّاح هنا جهود جورج طرابيشي في كتابه «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث» لجهة التأويل المبتكر.
رحلته الطويلة بين أميركا وأوروبا مطلع السبعينيات، كانت عتبته الأساسية في تمزيق خرائط المكان المغلق، والانخراط في منظومة الثقافة العالمية، بحثاً وسجالاً وتفكيراً، وصولاً إلى نظريته الخاصة في ماهيّة الدين. يرشدنا إلى كتابه المفصليّ «دين الإنسان» (1994)، معتبراً إياه جوهر اشتغاله المعرفي. بالإضافة إلى عمله على الأسطورة العربية والإغريقية، اتجه فراس السوّاح شرقاً، ليميط اللثام عن أحد أهمّ كتب الحكمة الصينية، وهو «كتاب التاو»، أو «إنجيل الحكمة الصينية»، ذلك أنّ الثقافات الشرقية ظلّت شبه مجهولة في المكتبة العربية. مقولة من القرن الرابع قبل الميلاد للحكيم الصيني «لاو تسو»، وجّهت بوصلته إلى الروحانية الخالصة: «من غير أن تسافر بعيداً، تستطيع أن تعرف العالم كلّه. من غير أن تنظر من النافذة، تستطيع أن ترى طريق السماء». لعل صاحب «الوجه الآخر للمسيح» اكتشف الخيط السرّي بين التعاليم الروحية القديمة وعجلة العلم، رابطاً المعرفة بالسلوك، وإلا فنحن إزاء لعبة ذهنية لا طائل منها: «دقيقة واحدة من الصلاة الذهنية، أكثر فائدة من خمسين صلاة» يردّد باطمئنان.
ما يعني السوّاح في أبحاثه أولاً، هو طغيان الفكر الغيبيّ على العقل العربي. لكنه في المقابل، يعوّل على المنهج العلمي في تقليص هيمنة سلطة هذه الأفكار، من خلال استنطاق النصوص القديمة المبعثرة «بمنهجية صارمة قد تضع العالم العربي على عتبة أخرى في التفكير». هذا ما يشغله هذه الأيام. بعد صدور كتابه «الإنجيل برواية القرآن» (2011)، سوف يستكمل مشروعه بعناوين أخرى قيد الإنجاز، هي «ألغاز الإنجيل»، و«أثر القصص القرآني في المصادر الخارجية»، و«تنقيبات معرفية في النص التوراتي». قبل أن نغادره، يودّعنا بشكوى تتعلق بتزوير طبعات كتبه في بعض العواصم العربية، ويضيف ضاحكاً: «ماذا يفعل شخص مثلي يعيش من إيرادات كتبه؟».

فراس السوّاح: المفكر السوري ينسحب في زمن الجنون
في زمن القتلة والجنون الجماعي لأمة بأكملها، تنسحب الحكمة إلى مخبئها، ويغدو صوت الحق مثل نهيق حمارٍ تائهٍ في الصحراء لا يسمعه أحد. لذا، فإن العاقل ينكفئ على نفسه ويختار الصمت
وجميعنا في الطريق إلى الخيبة لان وطن القتلة والتكفير ليس لنا فيه فسحة أمل بعد اليوم وبتنا على مرمى حجر أن نحزم شنت السفر إلى عالم ينتظره الخراب بعد جيل من الآن وعندها نكون أضحينا من التاريخ ولو كنت أتمنى أن أورث لابني وأخي بالإنسانية وطن التآخي والرسالة لكنهم مجموعات قتل وتكفير وذبح وتقطيع وفظائع يندى لها العقل وأذهلت البشرية فكيف لنا نحن أبناء الحياة أن نتعايش مع أولاد الرزيلة والاغتصاب والوحشية الغير مسبوقة بالتاريخ ,,,,,عذرا منك سوريا هؤلاء ليسو أبناءك وليسو أخوتنا التي ربينا معهم في رحابك السمحة إنهم أبناء الخنازير ,,,,لن أنسى أن اقبل جبين جنود جيشنا (العربي السوري ) الباسل وقيادته الوطنية وقدرتهم على الصبر على التحمل والصبر لأجل سوريا وشعب سوريا
,,,

كتاب الوجه الآخر للمسيح

نبذة الناشر:إن الصورة التي رسمتها التفسيرات الضيقة والأحادية الجانب ليسوع، هي صورة شخصية يهودية أحدثت انقلاباً داخل المؤسسة الدينية اليهودية، من خلال تعاليم ومواقف وأفعال عبرت عن تجاوز الموروث وقادت إلى تشكيل كنيسة مستقلة، على الرقم من بقائها إلى هذا الحد أو ذاك على ارتباط روحي بالتركة التوراتية، من خلال اعتبار كتاب التوراة عهداً قديماً للمسيحية وجذراً لها. المفكر السوري فراس السواح، يتحدى في كتابه الجديد هذه الصورة التقليدية ليسوع، ويرسم صورة وجه آخر للمسيح، وهو المسيح الجليلي الكنعاني الذي نادى برسالة إنسانية شمولية، جاءت منذ البداية في استقلال تام عن اليهودية وعن الوثنية التقليدية للمنطقة. فيسوع لم يتجاوز اليهودية من داخلها، وإنما سعى إلى تقويضها من موقع مفارق، وتأسست رسالته على قاعدة نقدية شاملة لليهود واليهودية، ولإله اليهود الذي ليس له سلطة على يسوع ولا على المؤمنين برسالته، على ما ورد في إنجيل يوحنا 14:30. اعتمد الكاتب في منهجه على مقاربة نقد-نصية، قرأ من خلالها نصوص الإنجيل بعيداً عن التفسيرات الرسمية كما اعتمد مقاربة تاريخية بحث من خلالها تاريخ الجليل، موطن يسوع، وتركيبه الثقافي والإثني، في محاولة للكشف عن أصول يسوع، وعن تكوينه الثقافي والديني. ثم أعطى بعد ذلك حيزاً للبحث في المسيحية الغنوصية، التي أسست لكنيسة واسعة الانتشار طرحت نفسها بديلاً عن كنيسة روما، وأحدثت قطيعة تامة مع التاريخ الديني اليهودي، وطابقت بين إله اليهود والشيطان.

الرحمن والشيطان :
 
من خلال منهجه العلمي الجذاب والمميز في تناول الميثولوجيا وتاريخ الأديان، يبحث المفكر السوري المعروف فراس السواح مسألة من أخطر المسائل في الفكر الفلسفي وأكثرها حساسية في الفكر الديني، هي مسالة وجود الشر في العلام وفي النفس الإنسانية، والكيفية التي عالجت بها معتقدات التوحيد بشكل خاص هذه المسألة، من خلال تركيزها على مفهوم جديد على الفكر الديني هو مفهوم "الشيطان الكوني". فالشيطان ليس كائناً شريراً من تلك الكائنات الماورائية التي لم يخل منها معتقد ديني قط، بل هو المبدأ الكوني للشر، والمصدر الأصلي الذي ينشأ عنه كل شر جزئي معاين. وهذا ما يجعله في تناقض وتعارض مع مصدر الحق والخير. عن تعارض هذين المصدرين وتناقضهما تنطلق صيرورة الزمن والتاريخ من بداية العالم إلى نهايته في اليوم الأخير. من هنا فقد اتسع مجال الدراسة عند المؤلف ليشمل ما يدعوه بـ "لاهوت التاريخ"، وانتقل من دراسة فكرة الشيطان في معتقد ما، إلى المعنى الذي يسبغه الفكر الديني على الزمن والتاريخ، وإلى طبيعة فهمه لله والعالم والإنسان، والعلاقة بين أركان هذا الثالوث الذي تدور حوله كل الإيديولوجيات الفلسفية والدينية على حد وسواء. الكتاب التاسع لفراس السواح يقدم لك ألف وخمسمية سنة من الهزيع الأخير لتاريخ الأديان المشرقية في تسلسلها وترابطها ووحدتها الداخلية
دين الإنسان :
إن الدين هو أحد السمات الرئيسية التي ميّزت الإنسان عن غيره من الكائنات، منذ أكثر من مائة ألف عام من عصرنا هذا، وقد مثل الدين محرضاً أساسياً وهاماً في حياة البشر عبر عصورها. ويسعى الباحث في كتابه إلى وصف تلك الظاهرة الدينية وذلك بهدف التعرف على هذه الظاهرة وعلى حقيقتها كما هي، وذلك عن طريق وصفها وصفاً دقيقاً، وعزلها عن بقية ظواهر الثقافة الإنسانية المتعددة. وفي سبيل هذا الهدف حاول الباحث في دراسته هذه تجنب أمرين، الأول فلسفة الدين، والثاني تاريخ الأديان، لذا كان توجهه في طريقة معالجته لهذا الموضوع وبشكل تلقائي نحو المنهج الفينومينولوجي-الظاهراتي، والفينومينولوجيا هي طريقة وصفية في البحث، يبتعد الباحث من خلالها عن النظريات الفلسفية، في محاولة لحدس ووصف الظاهرة كما تبدو لتجربتنا المباشرة، أي وصف طبيعتها وطرق تبدياتها وتعبيراتها عن نفسها دون إرجاعها إلى أية ظاهرة. هذا عن الفينومينولوجيا الفلسفية. أما عن الفينومينولوجيا الدينية، فإنها تطبيق لطرائق الفينومينولوجيا على دراسة تاريخ الدين، أي أنها تشغل مكان الوسط بين الفلسفة والتاريخ، وتطرح منهج بحث عملي، لا فلسفة بالمعنى التقليدي هذا.
إن ما يميز الفينومينولوجيا الدينية بشكل خاص، هو ميلها إلى العمومية، وتقصيها لكل ما هو مشترك وعام بين الظواهر الدينية. وهي إذ تصف وتنظم وتنمذج موضوعاتها، إنما تعمل على استقصاء البنية والجوهر والمعنى في الظاهرة الدينية. وعلى هذا فإن ما يضعه الباحث بين يدي القارئ طيّ كتابه هذا، هو مساهمة في فينومينولوجيا الدين، متميزة بالجدّة في مقترباتها ومعالجتها ونتائجها.
وعبر نظرة استجلائية نجد أن الباحث قدم بحثه هذا ضمن أبواب سبعة دارت حول المحاور التالية: مسائل أولية في المصطلح والتعريف، بنية الدين، الأشكال الاجتماعية للدين ومستوياته الشمولية، المعتقد، أو بنية الحدّ الأدنى للظاهرة الدينية، المعتقد وبنية الحدّ الأدنى، المطلق ونسبية الآلهة في معتقدات الشرق الأقصى، نتيجة ومدخل جديد، الوعي والكون كلانية الوجود في الفيزياء الحديثة ومنشأ الدافع الديني.


من مقدمة المؤلف:
" هذا كتاب في وصف الظاهرة الدينية عند نوع من الأحياء معروف باسم الإنسان العاقل HOMO SAPIAN ) ) . فقد وجدنا أن الدين هو إحدى السمات الرئيسية التي ميزت هذا النوع عن غيره منذ اكتسابه للخصائص الإنسانية التي نحن عليها اليوم , وقد رافقته منذ ذلك الوقت المبكر كمحرض أساسي وهام في حياة البشرية عبر عصورها . إن ما أهدف إليه هو التعرف على الظاهرة الدينية كما هي على حقيقتها , وذلك عن طريق وصفها وصفا" دقيقا" وعزلها عن بقية ظواهر الثقافة الإنسانية الأخرى .
ما هو الدين ؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي سنسعى معا" إلى تلمس إجابات مرضية حوله
......"







مدخل إلى نصوص الشرق القديم :
 

يهدف هذا الكتاب إلى التعريف بأهم النصوص الأدبية لثقافات الشرق القديم من أساطير وملاحم وحكم وأمثال وتراتيل وصلوات

مغامرة العقل الأولى :
 

كتاب "مغامرة العقل الأولى" للكاتب "فراس السواح" دراسة تكاد تكون متكاملة في منشأ الأساطير في سوريا و بلاد الرافدين , و تفسيرها بالمفهوم الجماعي للشعوب , منذ عهد سومر
في الألف الرابعة قبل الميلاد وحتى نزول القرآن الكريم .
أقتبس هنا من مقدمة الكتاب جزءاً يوضح محتواه ، يقول الكاتب :
 
"
لقد كان همي دوماً البحث عن وحدة التجربة الروحية للإنسان عبر التاريخ , بصرف النظر عن مصدر الخبرة الدينية , و هل هي من أصل ما ورائي أم نتاج تجربة إنسانية و كدح روحي ".

يقتبس الكاتب في المقدمة قول الكاتب الشهير "كزنتزاكيس" :
"
توقفنا بين خرائب القصر القديم قرب عمود مربع من الجص المصقول على قمته العلامة المقدسة منقوشة : الفأس ذات الحدين - ضم الأب كفيه و حنى ركبتيه لحظة ثم حرك شفتيه و كأنه يصلي , استغربت وسألته : ماذا - أتصلي ؟ فقال :طبعاً يا صديقي الشاب كل شعب وكل عصر يمنحه الله قناعه الخاص به و لكن وراء الأقنعة كلها في كل عصر و في كل عرق يبقى الله هو ذاته الله الدائم الذي لا يتغير . إن لدينا الصليب شارة مقدسة لنا و أجدادك الأقدمون في كريت كانت لهم الفأس ذات الحدين . لكنني أنحي جانباً هذه الرمزور الفانية و أتحسس الله وراء الصليب و ووراء الفأس ذات الحدين , أتحسسه و أنحني له احتراماً."
هذه الروية من أمتع ما قرأت , تحكي ببساطة تجربة العقل الإنساني الذي وجد نفسه وحيداً في عالم مادي بالكامل , و كل مادة فيه توحي بوجود الروح دون أن تثبتها بالدليل القاطع , فكان إعمال الفكر عبر التاريخ لتجسيد هذه الرؤى المخفية , فكانت الأسطورة.
إن الأسطورة كما سترونها عندما تقرؤون هذا الكتاب هي نتاج فكري من أرقى النتاجات عبر الزمن , إن لم تكن الأرقى , إنها عقلية شعب كامل , و مسيطرة على حياته كاملة.
تعالوا معي نقرأ هذا الكتاب و نمشي مع التطور الفكري لأعرق الشعوب في العالم , لنشاهد معاً كيف تطورت أساطير الشعوب , و كيف علم الإنسان السومري أنه خلق من طين , ليثبت القرآن الكريم ذلك بعد أكثر من 4500 سنة
.







لغز عشتار : الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة 
... ولعل أهم ما علمني إياه العمل في هذا المؤلف، هو وحدة التجربة الروحية للإنسان عبر الزمان واختلاف المكان، وأن كل دين ونظام ميثولوجي ليس إلا قطعة ملونة صغيرة في فسيفساء بديعة زاخرة بالأجزاء التي تبدو مستقلة عن قرب، متوحدة عن بعد، في نظام متكامل يعطي معنى لكل جزء من أجزائه، ويستمد معناه من هذه الأجزاء ذاتها.
في البداية كنت أطمح إلى تقديم بحث واف عن شخصية الالهة والأم أو الأم الكبرى في النسق الميثولوجي السوري-البابلي ومتوازياتها في الثقافات الكبرى المجاورة، ثم اكتشفت تدريجياً أن الحيز الثقافي والمدى الزمني، الذين حددتهما إطاراً للبحث، قاصران عن الإحاطة بالموضوع، كان تتبع الأم الكبرى يوغل بي زمنياً إلى ما وراء حدود التاريخ حيث وجدت نفسي أودع النصوص المكتوبة ولا شواهد ولا علامات تدلني سوى الأدوات الحجرية وأعمال الإنسان الفنية الأولى وكان اقتفاء أثر قدميها على الأرض يأخذني في الاتجاهات الأربعة. حتى درت المعمورة راجعاً إلى نقطة المبتدى

طريق إخوان الصفاء: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
يقول فراس السواح: لم ينتبه الباحثون العرب إلى المعنى الذي تذهب إليه رسائل اخوان الصفا، فقمت بدراسة وتحليل هذه الرسائل فوجدت مذهبهم مذهبًا غنوصيًا، وعلى هذا حللت الأفكار وجمعتها في محاور سبعة هي: نظرية التكوين وصفة العالم ومعرفة النفس وارتقاء النفس والنجاة من أسر الطبيعة والآخرة والنشأة الثانية والاسم اخوان الصفا وطريق النجاة المشترك والمسائل التنظيمية. ويقوم مذهب اخوان الصفا على التوفيق بين الأديان والابتعاد عن التعصب الذي اعتبروه "آفة العقول يعميها عن رؤية الحقائق". ومثل الغنوصيين يقول اخوان الصفا بأن موت الجسد هو ولادة الروح، ويشبهون ملاك الموت بقابلة الأرواح لأنه يستولد النفس (الروح) من الجسد كما تستولد القابلة الجنين من الرحم

جلجامش ملحمة الرافدين الخالدة : دراسة شاملة مع النصوص الكاملة وإعداد درامي

يعتبر هذا الكتاب بمثابة المرجع الرئيسي في اللغة العربية للمهتمين بملحمة جلجامش ولجمهرة القراء عموماً. فاضافة إلى المجهود العلمي الذي بذله المؤلف في تحقيق وترجمة نص الملحمة البابلية، فقد قدم لنا في البداية مدخلاً واسعاً لفهم خلفيات الملحمة الادبية والاسطورية والتاريخية، ثم أتبع النص بدراسة تحليلية شيقة القت أضواء على المعاني الخفية للملحمة ومقاصدها، وانتهى بملحق درس فيه آثار الملحمة في ثقافات العالم القديم


كتاب التاو تي-تشينغ انجيل الحكمة التاوية في الصين :
يُعزى كتاب "التاو-تي-تشينغ" إلى حكيم صيني غامض السيرة يدعى لاو-تسو، عاش حياته خلال الفترة الواقعة بين أواسط القرن السادس وأواسط القرن الخامس ق.م. وقد مارس الكتاب تأثيراً كبيراً على الحياة الفكرية والروحية للصين، وبما لا يتناسب وحجمه الصغير جداً، وهو مكتوب بأسلوب مكثف ومختصر حتى بالنسبة للغة الصينية القديمة التي تتميز عن الصينية الحديثة بشدة إيجازها وتكثيفها، الأمر الذي جعل فيه نصباً إشكاليا على جانب كبير من الغموض رغم وضوح أفكاره الرئيسية.
أخذ الكتاب بالانتشار في الثقافة العالمية الحديثة منذ عام 1788 عندما قدّمت إلى الجمعية الملكية بلندن ترجمة باللغة اللاتينية. وبحلول عام 1844 كان مترجماً إلى اللغتين الفرنسية والألمانية وورد ذكره في بعض كتابات الفيلسوفين الألمانيين هيجل وشوبنهاور، ثم استمد اهتمام الفلسفة الألمانية به وصولاً، إلى مارتن هايدجر الذي طور خلال النصف الثاني من حياته الفكرية نهجاً فلسفياً يقوم على الأفكار الرئيسية للتاو-تي-تشينغ، ومنذ عام 1850 وحتى الآن ظهرت ثلاثون ترجمة إنكليزية للكتاب، تتراوح في جودتها بين عمل الهواة، ويبن عمل الاختصاصيين المرموقين من غربيين وصينيين.
وقد اعتمد المترجم في صياغته العربية لنص التاو ثلاث ترجمات إلى الإنكليزية في إعداد باحثين صينيين مرموقين. وبعد استكماله للصياغة بشكلها الأخير، قام بمقارنة حصيلته على ترجمة فرنسية للتاو-تي-تشينغ، وهي من إعداد باحث صيني أيضاً مرموق، وقد أرفق نصه المترجم بشروحاته وتعليقاته الخاصة، التي تضفي على النص إضاءات صادرة عن فكر شرقي.
نبذة الناشر:
في كتابه المعروف "دين الإنسان" أظهر المفكر السوري فراس السواح فهماً قلّ مثيله لحكمة وأديان الشرق الأقصى، حيث قدمها، من جملة ما قدم، في أبسط وأوضح صيغة ممكنة، وتحولت المصطلحات الغامضة بين يديه إلى مفاهيم ممكنة، وتحولت المصطلحات الغامضة بين يديه إلى مفاهيم سلسة وسائغة للجميع. وفي هذا الكتاب، يتوق المؤلف عند تيار من أهم تيارات الحكمة الشرق-أقصوية وهو تيار الحكمة التاوية، الذي بقي حياً وفاعلاً في الحياة الفكرية والروحية إلى يومنا هذا، فيقدمه إلينا لا من خلال ما كتب عنه في الماضي والحاضر بل من خلال منبعه الأصلي وهو كتاب التاو-تي-تشينغ، الذي وضعه الحكيم الصيني لاو-تسو في القرن السادس قبل الميلاد.
إن صعوبة وإشكالية نص التاو، تجعل من هذا الكتاب مغامرة صعبة وممتعة في آن معاًن سواء بالنسبة للمؤلف أم لقارئه. وكما عودنا فراس السواح في مؤلفاته السابقة، فإن الصعب يغدو سهلاً والمعقد على غاية من البساطة، ويتفتح أمامنا كتاب التاو فصلاً بعد فصل، وذلك من خلال المقدمة الشاملة التي ابتدأ بها، والصياغة العربية الدقيقة للمتن التي أتمها استناداً إلى أدق وأحدث المراجع الصينية، وما أتبع ذلك من شروح وتعليقات. كل هذا يجعل من هذا التأليف العربي مساهمة متميزة في مجالها.

تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود :
نبذة الناشر:
تتخذ معالجاتي لتاريخ فلسطين القديمة، في هذا الكتاب، من أورشليم نقطة انطلاق ونهاية، ومحوراً يدور حوله البحث بكامله، وذلك في محاولة لنزع غلالات الخرافة عن هذه المدينة، والكشف عن تاريخها الحقيقي، وعن تاريخ فلسطين المدفون تحت ركام من الحكايا التوراتية، وركام آخر من البحث التاريخي المصاب بعمى الألوان التوراتي.
سوف يغطي البحث فترة تزيد عن ألفي سنة من تاريخ أورشليم، في السياق لتاريخ فلسطين، كما يغطي أيضاً ثلاثة آلاف عام من تاريخ فلسطين الكبرى في السياق العام لتاريخ سورية والشرق القديم عامة، وهدفنا من ذلك كله هو الإجابة عن بضعة أسئلة محددة هي:
-
من هم اليهود؟ ومتى تشكلت الإثنية اليهودية في فلسطين؟
-
متى نشأ الدين اليهودي، وأين، وكيف؟
-
هل كان لليهود كيان سياسي في فلسطين؟ وما هو المدى الزمني والجغرافي لهذا الكيان في حال وجوده؟
-
هل دانت فلسطين باليهودية في يوم من الأيام؟
-
ما العلاقة بين التاريخ اليهودي الذي ابتدأ في القرن الخامس قبل الميلاد وتاريخ مملكتي إسرائيل ويهودا خصوصاً وتاريخ فلسطين الكبرى على وجه العموم؟
آرام دمشق وإسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي
يقول المؤرخ "فراس السواح" أن أهم نتيجة يمكن أن نخرج بها من متابعة الجدل الأكاديمي الدائر خلال القرن العشرين، ومن دراسة الوثائق التاريخية لثقافات الشرق القديم، ودراسة أحدث نتائج التنقيب الأثري في فلسطين، هي أن التقاليد التوراتية قد خلقت "إسرائيلاً" خاصة بها لا علاقة لها بإسرائيل التاريخية، وأن جل البحث التاريخي، الذي تم حتى وقت قريب، في مسألة أصول إسرائيل وتاريخها، قد أنصب على أخيولة لا تمتلك من الوجود الواقعي إلا أقله.
ولسوف تسير عبر صفحات هذا الكتاب في محاولة جادة لاكتشاف صورة إسرائيل في التوراة وفي التاريخ والبحث عن التقاطعات الممكنة بينهما، من أجل معرفة حقيقة ما جرى في فلسطين من حوالي عام 1200 ق.م أو هي الفترة المفترضة لدخول الإسرائيليين أرض كنعان) إلى دمار أورشليم عام 587 ق.م في المرحلة الأولى من البحث، عمد الباحث إلى توضيح معالم "إسرائيل التوراتية" كما رسمتها الأسفار الخمسة المدعوة بالتاريخية.
ثم قام بعد ذلك بعملية استقصاء للوجود الموضوعي لهذه الإسرائيلى اعتمادا على النقد النصي والتاريخي والأركيولوجي لكل سفر على حده. أما في المرحلة الثانية، فأنتقل إلى دراسة أصول ومسار حياة إسرائيل التاريخية اعتماداً على نتائج نقده السابق، وعلى علم الآثار الحديث المدعم بالعلوم المساعدة، مثل علم الانتروبولوجيا وعلم السوسيولوجيا، وعلم مناخ وبيئة العصور القديمة، وغيرها من العلوم التي صارت معونتها الميدانية والنظرية أمراً لا غنى عنه لأي بحث أثري. كما يركز الباحث في هذه المرحلة، على العلاقات الآرامية -الفلسطينية والكشف عن دور مملكة أدام دمشق في الحياة السياسية لكل من مملكتي إسرائيل ويهوذا. وممالك شرقي الأردن وبقية العالم السوري في مناطق غربي الفرات.
وأخيراً سوف يتوقف الباحث في دراسته عند أعتاب الفترة التي يدعوها بفترة التاريخ اليهودي في فلسطين، الذي أخذت ملامحه بالتوضح خلال العصر الفارسي (القرنين الخامس والرابع ق.م) لا علاقة له بالتاريخ الإسرائيلى، وليست الاستمرارية بين التاريخين سوى استمرارية كرونولوجية لا تحمل صلة ثقافية حقيقية بين المرحلتين.



الأسطورة والمعنى: دراسات في الميثولوجيا والديانات المشرقية
يضمّ الكتاب مجموعة من الأبحاث والدراسات في الميثولوجيا وأديان الشرق القديم يعالج كل منها موضوعاً خاصاً ولكنه وثيق الصلة بما يليه. لقد عالج الباحث مواضيعه الحساسة تلك من خلال نهج علمي استقرائي صارم ومنضبط. ومنها: وظيفة الأسطورة ودورها في حياة الفرد والجماعة، المعنى في الأسطورة ومضامينها الخفية، صلة الأسطورة بالدين والمعتقدات الدينية، الطقس والأسطورة، نموذج الأناشيد التموزية، الأسطورة والتاريخ، بين الدين والأخلاق في الأديان المشرقية، معتقدات الشرق القديم: وثنية أم توحيد؟ صورة الاله التوراتي ومنعكساتها على الأخلاق التوراتية وغير ذلك من المواضيع التي عمد إلى توثيقها بالشواهد النصية من أساطير وطقوس وصلوات، وهدف المؤلف من وراء دراساته هذه فهم البعد الروحي عند الإنسان، من خلال تعبيراته الميثولوجية والدينية عبر التاريخ عامة، وتاريخ الشرق القديم خاصة.

موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الأول الشعوب البدائية والعصر الحجري
نبذة الناشر:
تقع هذه الموسعة في نقطة الوسط بين ما يشبه القواميس من المؤلفات التي صدرت في مجلد واحد، تُرجم بعضها إلى العربية، وبين الموسوعة المحيطة التي تقدم كل شيء تقريباً مثل موسوعة الأديان التي صدرت عن دراما كميلان عام 1987 في ستة عشر مجلداً ضخماً. من هنا يمكن وصف موسوعتنا هذه بالمختصرة. لأنها لا تتوقف إلا عند المحطات المهمة في تاريخ الأديان. ولكن الاختصار هنا لا يعني الاقتضاب وإنما الاقتصار، لأن كل محطة نتوقف عندها سوف تنال حظها الوافي بما يتناسب مع أهميتها.
ولقد عمد محرر الموسوعة، وهو متخصص مشهود له بطول الباع في مجال تاريخ الأديان، إلى جمع مواده من عدد متنوع من المراجع العالمية الموسوعية، والمتخصصة، متبعاً في اختيار كل مادة معيار المستوى العلمي وبساطة التناول وحسن التوصيل، لأن الموسوعة موجّهة إلى أوسع شريحة ممكنة من القراء. ومع تعدد المساهمين حرص المحرر أيضاً على تعدد المترجمين، وعهد إليهم بالمادة كل حسب ميله وخلفيته ومزاجه، وقدّم إليهم كل مشورة وتعاون، آملاً أن تكون الموسوعة ثمرة تعاضد جمهرة من الباحثين الكبار والمترجمين الأكفّاء، لتؤدي دورها المنشود في الثقافة العربية المعاصرة.



حفريات في التوراة عندما أكل يهوه من طبيخ سارة 
  فراس الســواح 
على الرغم من أن آلهة إنسان الشرق القديم كانت تعيش في عالم ما ورائي غير منظور، إلا أن الحد الفاصل بين عالمها وعالم البشر كان على درجة من المرونة تسمح للآلهة بدخول عالم البشر ولبعض البشر بدخول عالم الآلهة. ففي أسطورة آدابا البابلية، نجد الإنسان الأول المدعو آدابا (= آدم) يعيش في متَّصَل زماني – مكاني مع إلهه إيا الذي خلقه، فكان قيِّماً على معبده في مدينة إريدو يخبز الخبز لإلهه ويصطاد له السمك في مركبه، وكان الاثنان يتحاوران وجهاً لوجه. ثم إن آدابا صعد بعد ذلك إلى السماء ومَثُلَ في حضرة كبير الآلهة آنو. وفي أسطورة إنانا والبستاني السومرية نجد الإلهة إنانا وقد آوت إلى بستان لتستريح فيه من عناء السفر، ثم أغفت، وبينما هي نائمة رآها البستاني ففتنه جمالها وضاجعها دون أن تشعر به. مثل هذا الاتصال الجنسي بين البشر والآلهة كان ينجم عنه ولادة أشخاص نصفهم من طينة البشر والآخر من طينة الآلهة، كما هو حال الملك جلجامش الذي ولدته الإلهة ننسون بعد أن نام معها الملك السومري لوجال بندا. وفي ملحمة أقهات الأوغاريتية نجد الإله كوثر – حاسيس يقوم بزيارة لحاكم المدينة وقاضيها المدعو دانيال، فيجلس على مائدته ويأكل من الطعام الذي أعدته دانتيه زوجة دانيال.
هذه المرونة في الحد الفاصل بين العالمين، نجدها أيضاً في القصص التوراتي الذي ينتمي إلى المنظومة الأدبية المشرقية نفسها. ففي بداية الأزمان عاش الإله يهوه في متَّصل زماني مكاني مع البشر في الجنة التي غرسها على الأرض في عدن شرقاً وخلق الإنسان "ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (التكوين: 2)، مثلما خلق الإله إيا الإنسان آدابا وجعله قيِّماً على معبده في إريدو. وكان يهوه يلجأ إلى جنة عدن ليرتاح فيها ويتمشى بين أفنائها، مثلما لجأت إنانا إلى البستان حيث أغفت تحت إحدى أشجاره. وفي الجنة كان يهوه يتحدث وجهاً لوجه مع آدم وحواء، وعندما لا يجدهما تحت ناظريه كان يبحث عنهما ويناديهما بأعلى صوته. وكما أوضحنا في بحثنا السابق، فإن الصلة بين المقدس والدنيوي تغدو أكثر حميمية في الظاهرة التي دعوناها بالدين الشخصي أو دين العائلة، وقدَّمنا أمثلة عما تتيحه من تداخل بين العالمين. وسوف نتوقف هنا عند أكثر أشكال هذا التداخل درامية، مبتدئين بالزيارة التي قام بها يهوه لإبراهيم، حيث اتكأ تحت الشجرة وغسل قدميه من وعثاء السفر، ثم أكل من الطبيخ التي أعدته له سارة زوجة إبراهيم.
في مطلع الإصحاح 17 من سفر التكوين نقرأ ما يلي: "وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حرّ النهار. فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال: يا سيِّدُ، إن كنتُ وجدتُ نعمةً في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة، فآخذُ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون. فقالوا هكذا نفعل كما تكلَّمتَ." (التكوين 18: 1-5).
ترى التفسيرات الشائعة لهذه القصة أن الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم هم يهوه واثنان من ملائكته. ولكن القراءة المدققة للمقطع أعلاه ولبقية القصة تُظهر أن يهوه نفسه قد تجلى لإبراهيم على هيئة ثلاثة رجال. فالنص يبتدئ بالقول: "وظهر له الرب عند بلوطات ممرا… فرفع عينيه وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه." وهذا يعني أن الرب والرجال الثلاثة هم شخصية واحدة. بعد ذلك يخاطب إبراهيم الرب بصيغة المفرد ثم ينتقل مباشرة إلى صيغة الجمع: "وقال: يا سيِّدُ، إن كنتُ قد وجدتُ نعمةً في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة". وهذا الانتقال من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع أو العكس، نجده في عدد من المواضع الأخرى مثل قول كاتب النص: "وقالوا له: أين سارة امرأتك؟ فقال: ها هي في الخيمة. فقال (أي الرب) إني أرجع إليك…الخ". ولنتابع فيما يلي بقية القصة:
"
فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال: أسرعي بثلاث كيلاتٍ دقيقاً سميذاً، اعجني واصنعي خبز مَلَّةٍ. ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وجيِّداً وأعطاه للغلام فأسرع ليعمله. ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عُمل ووضعهم قدامهم، وإذ كان واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا، وقالوا له: أين سارة امرأتك؟ فقال: ها هي في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمن الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن." (التكوين 18: 6-10).
عندما سمعت سارة من وراء الخباء هذا الوعد بالإنجاب استخفَّت به. فلقد تجاوزت منذ زمن بعيد سِنَّ الإنجاب وزوجها قارب سِنَّ المئة من عمره، كما أن الرب قد بذل مثل هذه الوعود سابقاً ثم لم يفِ بها. وكان رد فعلها هذه المرة هو الضحك مما سمعت. وهنا تحدث مشادة كلامية بينها وبين الرب:
"
وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. وكان إبراهيم وسارة متقدمين في الأيام، وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كما النساء. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أَبَعْدَ فنائي يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة قائلة: أَبالحقيقة أَلِدُ وأنا قد شخت؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ في الميعاد أرجع إليكَ نحو زمن الحياة ويكون لسارة ابن. فأنكرت سارة قائلة: لم أضحك. فقال: لا بل ضحكتِ. ثم قام الرجال من هناك وتطلعوا نحو سَدّوم، وكان إبراهيم ماشياً معهم ليشيعهم." (التكوين 18: 10-16).
تبدي هذه الزيارة الإلهية في القصة التوراتية شبهاً واضحاً بقصة زيارة إلهية في ملحمة أقهات الأوغاريتية، قام بها إله الصناعة والحِرَف كوثرحاسيس للحاكم والقاضي المحبوب دانيال (دان – إيل). فقد كان دانيال حاكماً صالحاً وقاضياً عادلاً يقضي للناس عند البيدر بالقرب من بوابة المدينة. ولكنه كان عاقراً وكان يتضرع للآلهة في المعبد ويقدم لها القرابين علَّها تهبه ابناً يرثه. ثم إن الإله بعل أشفق عليه ووعده بالتوسُّط لدى كبير الآلهة إيل ليزيل عنه لعنة العقم، ثم توجَّه إلى مقر إيل وبسط القضية أمامه: "ليس له ابن كما لإخوته، ولا وريث كأولاد عمومته. لقد قدم ذبيحة لطعام الآلهة وماء قربان لهم ليشربوا. لتباركنَّه يا أبي، لتقوِّينَّه يا خالق الخلائق، فيكون له ابن في بيته وذرية في وسط قصره".( ) استجاب إيل لالتماس بعل وبارك دانيال: "عندما يُقبِّل زوجته سوف تصبح حاملاً، وعندما يعانقها سوف تلد، وسوف يجد في بيته ابناً وذرية في وسط قصره". بعد ذلك يلد لدانيال ابن دعاه أقهات كبر وصار فتى يافعاً مولعاً بالصيد، وبينما دانيال في أحد الأيام يقضي عند البوابة، رأى عن بعد الإله كوثر – حاسيس قادماً من موطنه في مصر وبيده قوساً وعلى كتفه جعبة نبال. فنادى زوجته قائلاً: أيتها السيدة دانتيه، أعدِّي خروفاً من القطيع لإكرام كوثر – حاسيس، وتجهزي لإطعام الآلهة. استجابت دانتيه وأولمت للإله الضيف فأكل وشرب على مائدة دانيال. وعندما همَّ بالمغادرة أعطى القوس العجيب الصنعة الذي يحمله إلى دانيال هدية لابنه أقهات. وعندما توارى عن الأنظار قام دانيال بإعطاء القوس إلى أقهات قائلاً: إن بواكير صيدك يا بني ستكون قرباناً في المعبد.
وكما نلاحظ فإن القصتين تشتركان في جميع عناصرهما تقريباً، والفارق بينهما هو أن الوعد الإلهي بالإنجاب وتحقيق هذا الوعد يتمان في القصة الأوغاريتية قبل الزيارة، على ما تظهره المقارنة التالية:

1- دانيال جالس عند بوابة المدينة ليقضي للناس.
2-
دانيال يرفع بصره ويرى كوثر – حاسيس عن بُعد وعلى كتفه قوس وجعبة.
3-
دانيال ينادي زوجته دانتيه ويطلب منها أن تجهَّز خروفاً من القطيع، ثم يستقبل الضيف عند وصوله ويستلم منه القوس.
4-
دانتيه تعد الحمل وتولم للإله وتقدم له الشراب.
5-
يفرغ كوثر – حاسيس من الطعام ويتابع رحلته. ودانيال يعطي القوس لأقهات ويأخذ عليه عهداً بأن يقدم بواكير صيده للمعبد.  1- إبراهيم جالس عند باب خيمته عند الظهيرة قرب مدينة حبرون.
2-
إبراهيم يرفع بصره وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه. ويعرف أنه في حضره الرب.
3- إبراهيم يعرض ضيافته على القادمين، ثم يطلب من زوجته أن تعد خبزاً، ومن غلامه أن يذبح عجلاً ويجهزه للطبخ.
4-
سارة تُعد العجل وتولم للرب الذي يأكل تحت الشجرة وإبراهيم واقف لديه.
5-
بعد أن يفرغ الرب من الطعام يعطي وعداً لإبراهيم بولادة وريث له.
ولنتابع الآن بقية قصة الزيارة الإلهية في سفر التكوين. فبعد أن فرغ الرب من الطعام قام ليتابع طريقة نحو مدينة سدوم الخاطئة، ومشى معه إبراهيم ليشيعه. وأثناء المسير أفضى الرب لإبراهيم بعزمه على تدمير مدينتي سدوم وعمورة لأن خطيئتهم قد عَظُمت جداً، فحاول إبراهيم ثنيه عن قراره هذا: "فتقدم إبراهيم وقال: أَفتهلك البار مع الأثيم؟ عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أَفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه؟ حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر، أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم. حاشا لك. أَديَّان الأرض لا يصنع عدلاً؟ فقال الرب: إن وجدتُ في سدوم خمسين باراً في المدينة فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم. فأجاب إبراهيم وقال: إني شرعت أكلِّم المولى وأنا تراب ورماد. ربما نقص الخمسون باراً خمسة، أَتهلك كل المدينة بالخمسة؟ فقال: لا أهلك إن وجدتُ هناك خمسة وأربعين." (التكوين 18: 16-28). ثم يتابع إبراهيم مساومته مع الرب حتى يصل إلى الرقم عشرة: "فقال لا يسخط المولى فأتكلَّم هذه المرة فقط. عسى أن يكون هناك عشرة. فقال: لا أُهلك من أجل العشرة. وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم".
لا ندري ما إذا كان يهوه قد تقصى عن وجود بارين في سدوم وعمورة قبل أن يشرع بتدميرهما، لأننا بعد مغادرة يهوه لإبراهيم نجد الملاكين يدخلان إلى سدوم مساءً وكان لوط (ابن أخي إبراهيم) جالساً في باب المدينة. فلما رآهما دعاهما إلى بيته لقضاء الليل وصنع لهما ضيافة. وقبل أن يأويا إلى مضجعهما جاء رجال المدينة الذين اعتادوا ممارسة الشذوذ الجنسي، فأحاطوا بالبيت وطلبوا من لوط أن يُخرج ضيفيه لهم ليعتدوا عليهما. فخرج لوط إليهم وعرض عليهم أن يُخرج لهم ابنتيه العذراوتين بدل الضيفين، ولكنهم شتموه وتقدموا ليكسروا الباب، فمد الملاكان أيديهما وأدخلا لوطاً ثم ضربا الجمع الواقف كله بالعمى فلم يصلوا إلى الباب. ثم قالا له أن ينجو بنفسه وأسرته وأقاربه لأنهم سوف يهلكون هذا المكان بأسرع وقت (التكوين 19: 1-11).
وفي الحقيقة، فإن الملاكين هنا لم يكونا سوى يهوه نفسه أيضاً، وقد صار الآن موضوعاً للتحرش الجنسي من قِبَل البشر. والقراءة المدققة لما تبقى من القصة تظهر لنا ذلك، حيث نجد مؤلف السفر ينتقل من صيغة المثنى في الإشارة إلى الملاكين إلى صيغة المفرد وبالعكس، ويجعل يهوه والملاكين يتبادلان الأدوار، وقد أشرنا إلى مواضع هذا الانتقال بالحرف الأسود ليسهل على القارئ ملاحظتها:
"
وقال الرجلان للوط: من لك هَهُنا أيضاً؟ أصهارك وبناتك وبنيك وكل من لك في المدينة أَخرج من المكان لأننا مهلكان هذا المكان… ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلان لوطاً… وكان لما أخرجاهم إلى خارج أنه قال اهرب بحياتك ولا تنظر إلى ورائك اهربْ إلى الجبل لئلا تهلك. فقال لهما لوط: لا يا سيدهوذا المدينة هذه قريبة للهرب إليها وهي صغيرة، أَهربُ إلى هناك. وإذا أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء، وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح." (التكوين 19: 12-26)