الجمعة، 11 مايو 2012

معاني لون الورود في الإهداء


                           الوردة الحمــراء




                         تمثل الجمال والحب

              ورسالتهــا ... (( أحبك من كل قلبي ))


            ******************************************

                        الوردة الزهريــة






                            تمثل الرقة والافتتان

               ورسالتهــا ... (( أنا معجب بك ))


           *******************************************

                       الوردة الصفــراء




                تمثل السعادة والغيــرة في الحب

            ورسالتهــا ... (( لن تكون لأحد غيري ))


           ****************************************

                    الوردة البيضاء




                 تمثل النقاء والخصوصيـة

           ورسالتهـا ... (( أنت هدية من السماء ))

           ******************************************

                                 الوردة الخضراء




                               تمثل الأمل والرجاء

                      ورسالتها ... (( أتمنى أن تكون لي ))


             **********************************

                               الوردة البرتقاليـة



                            تمثل رهافة المشاعر
 
                ورسالتها ... (( رقتك تفوق رقة الورود ))


           *****************************************

                               الوردة الزرقاء




                                 تمثل الوفاء

                وكأنها تقول ... (( أنا لك .. وإلى الأبــد ))






           ****************************************



                           الوردة البنفسجيــة



                           تمثل الحب الحزين

             وكأنها تقول ... (( مهما حدث سأظل أحبك ))




           ******************************************

                              الوردة السـوداء




                          لنعزي بها أحزان وهموم
             **********************************


                أما الباقة المتعـددة ... بألوان الزهور

                                فهي تدل على

(( أن الإنسان مستعد أن يضحي بأي شيء من أجل من يحب ))

غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز


روائي وصحفي وناشر وناشط سياسي
كولومبي ولد في مدينة اركاتاكا ولد في 6 مارس 1927
ودرس في بوغوتا العاصمة في مدرسة يسوعية، لينتقل بعدها إلى الجامعة. وعاش معظم حياته في المكسيك وأوربا ويقضي حالياً معظم وقته في مكسيكو سيتي.
عَمَلَ صحفياً وجاب كثيراً من بلدان العالم أهمها روما، وباريس (عام 1960 حيث كان بلا مال سوى ثمن تذكرة العودة الذي استعاده، فاضطر إلى بيع الزجاجات والاشتراك مع آخرين من مواطني أمريكا اللاتينية في تبادل العظام ليَصْنَعوا منه الحَساءَ !)  كتب حينذاك روايته{ ِليْس للكولونيل من يكاتبه}. كَمْاَ أنه أقام في مكسيكو وكتب عدة سيناريوهات سينمائية.
نشر ماركيز أول قصة له عام 1955 وكانت ((غرباء الموز))،ولم يتجاوز عدد نسخها الألف نسخة.
ذاع صيته بعد نشره لرائعته ((مائة عام من العزلة))عام 1967، والتي نَبّهتْ العالم إليه ككاتب متميز (تُرجمت إلى 32 لغة بينها العربية) ، لا بل فجّرتْ اهتماماً استثنائيا بأدب أميركا اللاتينية ككل. وعلى أثر ذلك، حاز يوم الجمعة في العاشر من كانون الأول / ديسمبر سنة 1982 على جائزة نوبل للأدب وذلك (لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي في غنىً معقد لعالم شعري يعكس حياة ونزاعات محيط بأكمله)  كما جاء في شهادة الأكاديمية السويدية. وبهذا يكون الفائز بالجائزة رقم 79. وأول كولومبي ينالها، ورابع أميركي لاتيني بعد ميسترال وأستورياس، ونيرودا.
كثيرا ما يعتبر ماركيز من أشهر كتاب الواقعية العجائبية (السحرية ) والعديد من كتاباته تحوي عناصر شديدة الترابط بذلك الأسلوب، ولكن كتاباته متنوعة جداً بحيث يصعب تصنيفها ككل بأنها من ذلك الأسلوب.
وتصنف الكثير من أعماله على أنها أدب خيالي والكثير من النقاد يصعب عليهم وضع قالب أو أسلوب لمؤلفاته.
غابرييل ماركيز ذلك الاستثناء في الأدب يمسك بتلك اللحظات التي مرت هاربة خلال عمره الطويل فيؤرخ لحياته الحافلة بالغرائب والإنجازات، فهو لم يكن يتوقع النجاح في تلك السن المبكرة عندما كان طالباً في السنة الأولى من كلية الحقوق، لكن عبقريته تفتحت في هذه السن المبكرة لتؤذن بنجاحات أخرى ستشكل علامات بارزة في مسيرته الأدبية والفكرية.
وكما هي حياة الأديب مليئة بالمعاناة والصدفة لم تكن حياة ماركيز لتشذ عن هذا المنحى حتى أن قراءاته كانت تعتمد في أحيان كثيرة على الكتب التي يوفرها الحظ والمصادفات تعتمد على خطي أكثر من اعتمادها على مصادفاتي لقد شكلت المحادثات الأدبية التي كانت تجري في مقهى الطاحونة بين الشعراء الكبار زاداً وفيراً استفاد منه الأديب الناشئ وخصوصاً تلك الجلسات التي يتحدث فيها ليون دي غريف البوي اعتاد أن يبدأ مسامراته الأدبية عند الغروب مع الأسماء الكبيرة في عالم الفنون والآداب.
وقد كان "المسخ" لفرانز كافكا عاملاً مهماً في توجيه مسار حياته الجديدة لتسفر قراءتها عن معاناة طويلة تؤدي في النهاية إلى ولادة قصة التي نشرت في جريدة الاسبيكتادور "الاستسلام الثالث"، ومن سخرية القدر أن الكاتب لم يكن يملك خمسة سنتات لشراء الصحيفة، كانت تلك القصة تجسد القدرة الساحقة للكلمة المطبوعة عكست قدرة الكاتب على الولوج في عوالم لا متناهية من السحر والإبداع.
إن غارسيا الذي عرفه العالم العربي من خلال أعماله الأدبية ذات النكهة الخاصة ما زال يتوق إلى عوالمه السحرية الغريبة التي رسمها في "مئة عام من العزلة" التي نال الكاتب جائزة نوبل عنها، وها هو غابرييل مركيز وبأسلوب لا يقل روعة وسحر عن أسلوبه المعتاد يواصل إثارة الأعمال الساكنة في نفوس قراءة، فهو كما يقول عاش ليروي.
إن غابرييل غارسيا ماركيز يستمد من المخيلة الكثير والكثير ليشحن به كتاباته، وبذلك يحقق تآلفاً منسجماً لعالم يطفو فوق الواقع إنما جذوره متأصلة فيه ويغتني بنسخه. أنه كما الكاتب الأرجنتيني بورخس، يعتمد الخيال أو المخيلة وسيلة كبرى في الحياة والكتابة(إن أعظم ما يمتلكه الإنسان هو الخيال))- - - قال بورخس.
 أما ماركيز، فإنه يقول في أكثر مكن مناسبة(الخيال هو تهيئة الواقع ليصبح فناً)، ولكِنَهُ يوضح في مكان آخر عن مائة عام من العزلة(إنها تنتمي إلى أدب الهروب من الواقع. كنتُ أود التعبير عن الإرادة الواعية، لا إن تعدم الواقع. ولكن علينا أن ندرك أنها لم تصالح الواقع).       
ويستطرد ( ليس قول الناس إننا نتهرب من الواقع معقولاً، فمن يطال إنتاجنا في روية يعرف أننا مُسيسون ومتورطون أكثر من أسلافنا ). وعن النقطة ذاتها يشرح قائلاً( أعتقد أن سبر أغوار الواقع، دون أحكام مسبقة عقلية، يبسط أمام روايتنا بانوراما رائعة.ومهما أعتقد بعضهم أن منهجنا هروبي، فإن الواقع سيثبت -إن عاجلاً أو آجلاً - أن المخيلة على حق).

وهَكَذا يفهم لماذا رفض العروض لتحويل روايته إلى أفلام سينمائية، فهو يريد أن تبقى مخيلة القارئ حرة غير مؤجرة(أنا أفضل أن يتخيل قارئ كتابي الشخصيات كما يحلو له. أن يرسم ملامحها مثلما يريد. أما عندما يشاهد الرواية على الشاشة فإن الشخصيات ستصبح ذات أشكال محددة هي أشكال الممثلين، وهي ليست تلك الشخصيات التي يتخيلها المرء أثناء القراءة).

وعن موقع وواقع الكاتب في المجتمع وتفاعله معه، فإن ماركيز يحدده بدقة (إذا كان الأدب نتاجاً اجتماعيا فإن العمل الأدبي هو نتاج فردي بل الأكثر فردية في العالم. الأديب كامل الوحدة في الإبداع. من هنا أميز بين الممارسات السياسية الجماعية والممارسة الأدبية الفردية البحتة).
أجل فماركيز الرافض لجميع أشكال الممارسات القمعية لدكتاتوريات العالم، ودكتاتوريات أميركا اللاتينية خاصة، والذي نفى نفسه طوعياً خارج هياكل البطش والقمع؛ إنه هو الذي لا تختلط الأمور عليه، إذ يراها بكل سطوعه من منظار شخصه المالك لحريته، فيقول معرفاً واجب الكاتب الثوري( أعتقد أن واجب الكاتب الثوري أن يكتب جيداً. ذلك هو التزامه )  .

إصابته بمرض السرطان :

أجرى في عام 1992م في إحدى مستشفيات لوس أنجلس عملية أولى لاستئصال ورم خبيث في الرئة اليمنى ولم يعد وضعه الصحي يساعده على العيش كما يريد ويفرض عليه الوقاية من التعب والإرهاق ، وعلى الرغم من مرضه وقع ماركيز على نشر أربع روايات حتى عام 1997م وهي " عن الحب وشياطين أخرى " و " مغامرة ميغل ليثين متخف في تشيلي" و " خبر اختطاف " و " أهرب لأحلم " وكتب سيناريو لفلم واحد فقط " أوديب رئيس البلدية " ، وتوقف ماركيز بعد ذلك عن الكتابة ، وأصدر في عام 1999م كتابا يضم كل أعماله الصحفية .
وفي منتصف عام 1999م تأكد خبر إصابته بمرض سرطان الغدد اللمفاوية ، واضطره المرض إلى أن يغير مجددا وبشكل قاس وحاسم برنامج حياته كله ، ويتخلى عن القيام بالكتابة الصحفية .
في نهاية عام 1999م سحب ماركيز رصيده من جائزة نوبل من أحد البنوك السويسرية واشترى مجلة " كامبيو " الكولومبية ، ليحقق حلما عتيقا بامتلاك وسيلة إعلامية خاصة ، وأستقر في منزله في بوجوتا ليهتم بكل أمور المجلة التي ترأس مجلس إدارتها ، فارتفعت نسبة مبيعاتها بعد أن كانت في الحضيض ، وأصبح يشرف على كل شيء فيها ويسهر مع 12 محررا من الشباب الساعات الطويلة الأخيرة قبل صدور العدد اليومي من المجلة ، وتعتبر هذه المجلة ذات طابع سياسي مستقل .

كان ماركيز يستمتع بعمله هذا لكن المرض لم يمهله حيث أشتد عليه ، فاضطر لدخول المستشفى مرة أخرى في مكسيكو سيتي ، وأستقر فيها لفترة قصيرة عاشها في عزلة شبه تامة قبل أن يعود إلى لوس أنجلس ليكون قريبا من أطبائه ومن ابنه جونزالو وأحفاده . وفي نهاية عام 2001م عاد إلى مكسيكو سيتي وأستقر نهائيا فيها مقيما حواجز بينه وبين العالم لا يستطيع أحد تجاوزها

و في عام 2002م أصدر الجزء الأول من مذكراته في كتاب بعنوان " عشت لأروي " والتي تتناول حياته وطفولته حتى عام 1955م , وكانت من أكثر الكتب مبيعا في عالم المكتبات الاسبانية ، ونشرت الترجمة الإنجليزية لهذه السيرة على يد ايدث جروسمان عام 2003 م وكانت من الكتب الأكثر مبيعا أيضا على مستوى أوروبا .
وفي 10 سبتمبر 2004م أعلنت بوغوتا ديليإيلتيمبو نشر رواية جديدة بعنوان
(Memoria de mis putas tristes) "  ذاكرة غانياتي الحزينات " والتي تتحدث عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية .
وأثبت صدور هذه الرواية أن قراء غابرييل ماركيز ، ما زالوا أوفياء له ، حيث تم بيع نصف مليون نسخة خلال شهر واحد فقط منها 200 ألف نسخة في اسبانيا و300 ألف نسخة في أمريكا اللاتينية

وفي عام 2005م أعلن ماركيز في حوار نشر في صحيفة " لافانجوارديا " التي تصدر في برشلونة ( أن عام 2005م يعد أول عام لم أكتب فيه سطرا ) .. ويضيف " (بخبرتي أستطيع أن أكتب رواية الآن ، لكن قرائي سيلاحظون أنني لن أكتبها بقلبي كسائر أعمالي )

ومن جهة أخرى استطاعت الشركة الأمريكية ـ الشمالية " ستون فيلدج بكتشير " من أن تقنع الكاتب الكولومبي ببيعها حقوق روايته " الحب في زمن الكوليرا " مما أتاح له أن يؤمن نحو مليوني دولار أمريكي لعائلته ، إضافة إلى أرصدته المالية الأخرى . لكن الاتصالات بين ماركيز والممثلة الشهيرة المكسيكية سلمى حايك لم تثمر ، وكانت شركة فنتانا روزا ـ أي النافذة الوردة ـ تسعى لتنقل إلى الشاشة ، عملا روائيا ، تقوم ببطولته الممثلة اللبنانية الأصل ، وحاليا ينتظر القراء والذين يعدون بالملايين أن تصدر بقية مذكراته والتي لم يحدد الكاتب الكولومبي موعدا لصدورها حتى تاريخ نشر هذا التقرير .

بمن تأثر ماركيز :

يقول ماركيز ( أنا كائن مسكون بالخرافات ) وحين دعي لتسلم جائزة نوبل في استكهولم قال في خطابه الشهير والغريب أيضا ( نحن مخترعي الحكايات ، الذين نؤمن بكل شيء ، نعطى حق التفكير بأن الوقت ليس متأخر للانطلاق في خلق " يوتوبيا" متناقضة ، وليس مستحيلا على أي كان أن يختار للآخرين حتى شكل موتهم ، وتحصل فيها السلالات المحكومة بمائة عام من العزلة على فرصة ثانية للعيش وإلى الأبد ) يتضح من عباراته مدى تأثره بالبيئة التي نشأ فيها والتي تعج بمعتقدات تبدو في خارجها غريبة وسحرية ، وإيمانه بخروج المحرومين والمضطهدين من العزلة المأساوية بواسطة طرق شتى .. إحدى هذه الطرق هي باختراع الحكايات والكتابة .

لماركيز وساوسه إزاء كل شيء ، من طقوس للكتابة وحتى التعامل مع الألوان والأشكال والأشخاص ، حيث يعتمد على الحدس ، ويبالغ في الحرص اللامنطقي أحيانا ، صانعا أسطورته الشخصية الخفية . ويشرح ماركيز عن إحدى حالاته أثناء الكتابة ( لم أتمكن من إنجاز شيء على النحو الصحيح .. رحت ألقي بالوقة إثر الأخرى ، ثم نظرت إلى زهرية الورد وعرفت السبب .. لم تكن هناك ورود .. فصحت طالبا الوردة .. أحضروها إلي وبدأ كل شيء يسر على نحو صحيح  .

يقول ماركيز في الحوار الذي أجراه معه صحفي يدعى ماندوزا في إحدى الصحف الكولومبية ..
 ( بدأت الكتابة بمحض الصدفة ، ربما لكي أبرهن فقط لأصدقائي أن جيلي قادر على إنجاب الكتاب ، بعد ذلك سقطت من حيث لا ادري في فخ الكتابة من أجل المتعة ، ثم سقطت في الفخ الثاني وهو اكتشافي أني أعشق الكتابة وأن هذا العشق يفوق حبي لأي شيء آخر في الدنيا ) .. ويقول أيضا في الحوار بأنه في فصول دراسته كان يرتدي قمصانا مزركشة ، ويطلق شعر رأسه ، ويتفاخر بوقاحة أحيانا ليعلن أنه شاعر ، وليظهر مختلفا عن أقرانه . وبعد أن ترك الدراسة وعمل في الصحافة عرف كم هي شاقة مهنة الكتابة ، وعلى الرغم من ذلك لم يفكر بغيرها . كان مؤمناً بنفسه وبموهبته أشد الإيمان ، وها هنا سر قوته ، كان يدرك أهمية ما يكتبه حتى حين لم تكن كتبه الأولى تجد رواجا للقراء .
لقد قرأ كثيرا وبقي معجبا "بكونراد" و "سانت أكزوبري" و " تولستوي" ـ كتاب روايات ـ لأن لهما طريقة فريدة للاقتراب من الواقع ، والتي تجعله يبدوا شاعريا ، وهو يعد رواية " الحرب والسلام " لـ تولستوي أفضل رواية قرأها على الإطلاق ، وعلى الرغم من ذلك لا يحتفظ لتولستوي بأي عمل .

لقد ساهم ماركيز مع كبار روائي أمريكا اللاتينية في إنعاش الفن الروائي بعدما كثرت الأقاويل حول موت الرواية في أمريكا اللاتينية ، ففتحت الواقعية السحرية ( المدرسة المبتكرة ) في تلك القارة الضاجة بالغرائب ، أفقا آخر لهذا الفن الذي يصعب تحديد شكل نهائي ، وقواعد قارة له . لقد رسم ماركيز في أعماله مشاهد أسرة تغلب عليها الفانتازيا واللامعقول ، وتنطوي في الوقت نفسه ، على قوة الحقيقة ومنطقها .. تعتبر مشاهد مألوفة للناس الاعتياديين في مناطق أمريكا اللاتينية لكنها ليست كذلك لبقية القراء في العالم .

من تفاصيل صغيرة عابرة ، عايشها في المراحل المبكرة من حياته ، وخبأها في زوايا حميمة من ذاكرته يصوغ ماركيز عالمه الروائي بعدما يضفي عليها ما يجعلها مدهشة ، وذات دلالة تاريخية واجتماعية . فمن حكاية حب بين أبيه وأمه التي سمعها مرارا وبأشكال مختلفة منهما كتب قصته
 ( الحب في زمن الكوليرا ) ، ومن انتظار جده الطويل واليائس لراتبه التقاعدي كتب قصة ( ليس لدى الكولونيل من يكاتبه ) ومن قراءته لتاريخ الدكتاتوريات في قارته أبدع رواية ( خريف البطريرك ) وانتظر أكثر من عشرين عام حتى ماتت شخصيات حادثة جرت وقائعها في منطقته ليكتب رواية ( قصة موت معلن ) وموكاندو في ( مائة عام من العزلة ) هي قرية أراكاتاكا حيث يقع بيت جده القديم ، وما حفلت به من معتقدات وحوادث وآمال وخيبات ، فنفخ عنها الغبار من روحه الإبداعية ليخلد هذه القرية ويمنحها شهرة لا تضاهى .


غابرييل ماركيز تحت مجهر النقاد وعناوين الصحافة :
تعرض الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز لحملة انتقادات شنها عليه عدد من المثقفين آخذين عليه دعمه لنظام الرئيس الكوبي فيدل كاسترو.
وافتتحت الحملة الأميركية سوزان سونتاغ في 27 أبريل/نيسان خلال معرض الكتاب في بوغوتا ، فانتقدت الكاتب الكولومبي لصمته إزاء ما وصفته بـ (حملة القمع التي شهدتها الجزيرة الشيوعية أخيرا ـ تقصد كوبا ).
وقالت سونتاغ ( إنني معجبة بغارسيا ماركيز ككاتب كبير، لكن لا يبدو لي من اللائق أن يقف صامتا حيال ما يجري في كوبا ), في إشارة إلى أحكام بالسجن صدرت بحق منشقين وإعدام ثلاثة كوبيين حاولوا خطف عبارة للهرب إلى الولايات المتحدة .
وتابعت أن (بعض الكتاب يقررون اتخاذ مواقف في الميدان السياسي ويرتكبون هفوات, غارسيا ماركيز على سبيل المثال يبدو لي كاتبا كبيرا لكنني غير موافقة على مواقفه السياسية ) .

ورد عليها ماركيز بعد يومين في تصريح لصحيفة الـ (تيامبو) في بوغوتا جاء فيه ( في ما يتعلق بعقوبة الإعدام ليس لدي ما أضيفه على ما سبق وقلته دوما في أحاديث خاصة وعامة، فإنني أعارض الإعدام أينما كان ولأي سبب أو ظرف كان).

وأضاف ( أنا نفسي لا يمكنني أن أحصي عدد السجناء والمنشقين والمتآمرين الذين ساعدتهم على مدى 20 عاما وفي صمت مطلق على الخروج من السجن أو الهجرة من كوبا), مؤكدا أن (العديد منهم لا يعرف ذلك، أما الذين يعرفون فإن راحة البال والضمير تكفيني).

غير أن رد غارسيا ماركيز أجج الجدل وزاده احتداما فاتهمه الكاتب البيروفي ماريو فارغس يوسا بأنه (كاتب متملق لفيدل كاسترو تستعرضه الدكتاتورية كحجة لها في الأوساط المثقفة، وقد تعايش بشكل جيد حتى الآن مع التجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الدكتاتورية الكوبية في حين يروي أنه حصل سرا على إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين ) .

وقال الكاتب البيروفي ( لا يخفى على أحد أن فيدل كاسترو يقدم بين الحين والآخر بعض السجناء السياسيين للمتملقين له ولأصدقائه) وتابع (بالنسبة لغارسيا ماركيز فهذا يريح ضميره، أما بنظري فهو ينم عن خبث مثير للاشمئزاز )  .
وهاجمت الكاتبة الكوبية زوي فالديس الكاتب الكولومبي فأعلنت (قال ماركيز إنه يقوم منذ سنوات بإنقاذ حياة شخصيات وصحفيين بإخراجهم من كوبا لكنه يتناسى أن هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم أن يرووا ما حدث لهم لأنه يطلب منهم عدم الإفصاح عن ذلك حتى لا يسيء الأمر إلى مكانته لدى فيدل كاسترو).

وقالت الكاتبة (لا أفهم كيف يمكن لغارسيا ماركيز الذي يدرك معنى معاناة والدة، وقد كتب عن هذا الإحساس أن يرضى بإعدام ثلاثة أشخاص أرادوا الفرار من كوبا, قد يكون كاتبا كبيرا حائزا على جائزة نوبل, غير أنه مخادع وخبيث ).

وانضم الكاتب المكسيكي أنريكي كراوزي إلى الحملة فاتهم غارسيا ماركيز بتبرير الطغيان حيث نشر كراوزي مقالة بعنوان (غابو في متاهته)  في صحيفة (ريفورما ) أخذ فيها على غارسيا ماركيز استمراره في دعم كاسترو، بالرغم من الأدلة الواضحة على قمع جميع حريات التعبير والإبداع والإيمان والتجمع والتظاهر والتحرك والانتقاد والمبادرة والتصويت والانتماء السياسي في كوبا، على حد تعبيره.


 


**"الكاتب والروائي كارلوس فوينتس
 متحدثاً عن صديقه ماركيز" **


مائة عام من السعادة

عندما ذهبت لأعيش في باريس لفترة طويلة، حبس غابو نفسه لكتابة (مائة عام من العزلة). وسمعت أن زوجته ميرسيدس أغلقت أبواب البيت، وقطعت أسلاك التليفون وملأت الثلاجة بكل ما هو ضروري. وبعد عام وصلتني الخمسين صفحة الأولى من (مائة عام من العزلة). قرأتها بتأثر وإعجاب والأكثر من هذا بسعادة لأن لي صديق كبير الموهبة شديد السخاء. ولأنها كانت رواية سخية. في أكثر من جانب. لم يعط ويعط فقط. لم يكن فقط يمتلك فضيلة الاعتراف بالفضل ، لم يكن فقط يجمع التقاليد العظيمة لأدب أمريكا اللاتينية بلمحة واحدة و لكنه كان أيضا يبرز بعظمة وسخاء توافق الأجناس في عصر من الجفاف الأدبي، المحدد بدكتاتورية الرواية الفرنسية الجديدة، التي كانت تعمل على تحويل الأدب إلى صحراء. على عكس ماركيز ، فهو شديد السخاء ، فكان يعيدنا جميعا إلى أدب أمريكا اللاتينية وما تميز به من (لا مانشا ) ـ محافظة ثربانتس الكبيرة ـ حيث الفروسية والدهاء والرواية الرعوية والحبكة البيزنطية، والرواية داخل الرواية وسجن الحب، وسخاء الأدب الذي يستعيده غارسيا ماركيز لأمريكا اللاتينية انطلاقا من تقاليد مشتركة وموقع جغرافي واحد و جميل .
ويشير كارلوس بأن الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران كتب في مذكراته أن صديقه " بابلو نيرودا " قال له: سارع بقراءة ( مائة عام من العزلة ) إنها أجمل رواية أنتجتها أمريكا اللاتينية منذ الحرب الماضية .
وكتب الرئيس الفرنسي في ماركيز بعد قراءته للقصة وقال: (إنه رجل متوحد مع عمله. محدد، صلد، حالم وصامت).
تحدث كارلوس عن ماركيز أولاً ككاتب عرفه من خلال كتبه قبل أن يتعرف عليه. فيما تأخرت معرفته به كشخص إلى فترة لاحقة. وهذا القول ليس قول كارلوس وحده ، وإنما يشاطره هذه التجربة أناس كثيرون قبله وبعده. فبواسطة الكتاب ( أو حرفة الأدب والفن ) ينتقل المؤلف إلى أمكنة عديدة وأزمنة متعاقبة، ويعرفه بشر كثير دون أن يلتقوا به ويروا وجهه. ولا يمكن لمن يعيش هذه المعرفة بحق، أن ينكر مقدار ما تحوي من متعة ومحبة وتوق لمعرفة المؤلف الذي أشعل فيه عوالم كتبه وكشف له مكنوزات رؤاه وتجاربه في الحياة. فالمؤلف المبدع يصل بفنه وصوته إلى مواطن لم تطأها قدماه ، بل وقد يؤثر في مجريات حياتها وواقعها فيما هو يبعد عنها آلاف الأميال. هذه المعرفة، هي ما قادت كارلوس إلى أن يتعرف إلى شخص ماركيز، ويمكننا هنا أن نضعه كنموذج حي في تأسيس علاقة روحية عميقة، تحدث في العادة بين كل مشتركين في مهنة واحدة، في مثل مستوى ورقي مهنة الأدب. ولقد امتدت العلاقة بين الكاتبين إلى اليوم، وترسخت بينهما معاني روحية وإنسانية عديدة .

في مقطع آخر يصف كارلوس طريقة ماركيز في اقتحام مشروعه الكبير " مائة عام من العزلة" وهو العمل الذي صار موازياً لاسم الكاتب في كل مكان ومناسبة. يقول بأن ماركيز قرر مقاطعة العالم ، وحبس نفسه في بيته ليكتب الرواية. إنها طريقة صعبة لمن هم في مثل حالتنا، لكنها بالنسبة إلى  غابو  كانت الحل ليكتب رواية بحجم تلك الرواية. أساس ذلك الفعل الصارم ، يكمن في الإيمان العظيم الذي يشعر به ماركيز تجاه قدراته الروائية، وتجاه الكتابة نفسها.

 
قالوا عن ماركيز :

*
ماركيز يمتلك السحر في نتاجه فهو روح ساحرة ، يجعلك تعيش حلما أنت صاحبه و عوالم لم تكن مكتشفة من قبل . *

*
استفاد هذا الكاتب الفذ من واقعية همنغواي و غرائبية بورخس فدمج بين التجربتين العظيمتين في تجربة تسمى الآن في عالم الأدب و الفن الواقعية السحرية و الذي يصنع من الواقع سحرا و يجعل الخيال واقعيا . *


*
ماركيز يلعب على جودة الكلمة و كما قال مرة أو كما قال ( أنتزع الكلمة انتزاعا ... ) فتجده يعتني بجرس الكلمة و وقعها في نفس القارئ / المتلقي . *

*
في أعمال ماركيز لن تقرأ الكلمات و الجمل و لكن ترى المشهد أمامك واقعا و محسوسا بصورة سينمائية بالغة الإخراج .. *

*
لغته بصرية حية تتحرك بروح حقيقية . *

*
إن رفض ماركيز المستمر من أن تمثل أعماله سينمائياً رغم الإغراءات المادية التي عرضت عليه كان بسبب إنه لا يريد أن يحبس أبطال رواياته في صورة معينة و يحجر على المتلقي / القارئ خياله في تصوره لهؤلاء الأبطال الحقيقيين و الذين فعلا نتخيلهم كيفما يروق لنا نحن المتلقين لا كيفما يروق للكاتب و المخرج و الممثل *

*
كاتب يحترم نفسه و أبطاله و قبل ذلك يحترم متلقيه *

من أعماله :

*
حكاية موت معلن1981 م التي تحكي قصة ثأر مسجلة في الصحف.

*
الحب في زمن الكوليرا 1985 م الذي يحكي قصة الحب بين والديه.

*
مائة عام من العزلة 1967 م، والتي بيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة والتي تروي قصة قرية معزولة في أمريكا الجنوبية تحدث فيها أحداث غريبة. ولم تكن هذه الرواية مميزة لاستخدامها السحر الواقعي ولكن للاستخدام الرائع للغة الاسبانية.
.
دائما ما ينظر إلى الرواية عندما تناقش على أنها تصف عصورا من حياة عائلة كبيرة ومعقدة.

*
وقد كتب أيضا سيرة سيمون دو بوليفار في رواية الجنرال في متاهة.
*
خريف البطريرك، عام 1975م،

*
كتاب اثنا عشر قصة مهاجرة يضم 12 قصة كتبت قبل 18 عاماً مضت، وقد ظهرت من قبل كمقالات صحفية وسيناريوهات سينمائية، ومسلسلاً تلفزيونية لواحدة منها، فهي قصص قصيرة تستند إلى وقائع صحيفة، ولكنها متحررة من شرطها الواقعي بحيل لغوية شعرية .
كما أصدر مذكراته بكتاب بعنوان عشت لأروي والتي تتناول حياته حتى عام 1955 م, وكتاب مذكرات عاهرات السؤ تتحدث عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية، والأم الكبيرة.

عام 2002 م قدم سيرته الذاتية في جزئها الأول من ثلاثة وكان للكتاب مبيعات ضخمة في عالم الكتب الإسبانية. نشرت الترجمة الإنجليزية لهذه السيرة أعيش لأروي على يد ايدث جروسمان عام 2003 م وكانت من الكتب الأكثر مبيعا. في 10 سبتمبر 2004 أعلنت بوغوتا ديلي إيلتيمبو نشر رواية جديدة في أكتوبر بعنوان (Memoria de mis putas tristes) وهي قصة حب سيطبع منها مليون نسخة كطبعة أولى. عرف عن ماركيز صداقته مع القائد الكوبي فيدل كاسترو وكذلك صداقته للقائد الفلسطيني ياسر عرفات وأبدى قبل ذلك توافقه مع الجماعات الثورية في أمريكا اللاتينية وخصوصا في الستينيات والسبعينيات. وكان ناقدًا للوضع في كولومبيا ولم يدعم علنيا الجماعات المسلحة مثل فارك FARC وجيش التحرير الوطني ELNالتي تعمل في بلاده.


 
حيث البنادق تقتل الفلاحين.. يولد ماركيز..!


ولد غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز في السادس من مارس عام 1927 في اركاتاكا ، ولأن والديه كانا فقيرين ولا زالا يكافحان، فقد وافق جدّيه على مهمة تربيته، وهذه كانت عادة شائعة في ذلك الوقت.. لكن لا يمكن فهم التكوين الفكري والسياسي للكاتب دون التعرض لنبذة عن كولومبيا في ذاك الوقت وكيف عومل أجداده من قبل السلطات

حصلت كولومبيا على استقلالها من أسبانيا عام 1810، وكان العداء والكراهية يسودان العلاقة بين الأسبان والهنود بالبلاد، فالأسبان مزقوا الأراضي في بحثهم عن الذهب، والمرتدين عن الدين، والنفوذ السياسي، في النهاية أعلنت كولومبيا استقلالها عن أسبانيا عندما عزل نابليون الملك الإسباني عام 1810، نعمت البلاد بعدها بفترة قصيرة ببعض الحرية إلى أن غزاها ثانية الجنرال موريللو عام 1815 من خلال عدد من الحملات هي الأكثر دموية في تاريخ المنطقة. غير أن سيمون بوليفار أعاد تحرير البلاد عام 1820 وأصبح أول رئيس لها. في عام 1849 تماسكت البلاد وابتعدت عن الخلافات إلى درجة تكوين حزبين سياسيين، هما حزب الأحرار وحزب المحافظين اللذين لا يزالا قائمين حتى هذا التاريخ.

هذان الحزبان شكلا الإطار الرئيسي لمعظم ما كتبه غارسيا ماركيز في مجال أدب الخيال، ويمثل الحزبان أسلوبان مختلفان تماماً فكريا وطبقيا، وكلاهما حاول أن يكون حزباً قمعياً ومرتشياً، إضافة إلى أن البلاد انقسمت إلى إقليمين رئيسيين هما الكوستينوس لمنطقة ساحل الكاريبي، والكاتشاكوس لمنطقة المرتفعات الوسطى، وكلا المجموعتين استخدمتا تعبيرات تحتقر الأخرى، حيث يتميز الكوستينوس بتكوينهم من خليط عرقي صوته مسموع، يميل إلى الخرافات، وبشكل أساسي منحدرين من أصول تعود إلى القراصنة والمهربين، وفيهم خليط من العبيد السود، وهم من هواة الرقص وحب المغامرة، أما الكاتشاكوس فهم أكثر رسمية وأرستقراطية، انحدروا من أصول عرقية نقية، ويشعرون بالفخر بسبب التقدم الواضح في مدنهم مثل مدينة بوغوتا. إضافة إلى فخرهم بمقدرتهم على التحدث باللغة الإسبانية بطلاقة . ..وكان قد أشار غارسيا ماركيز مراراً إلى أنه يرى نفسه " كمستيزو " و " كوستينو"، أي هجين فيه خصائص الاثنين معاً مما مكنّه من تكوين نفسه وتطويرها ككاتب.

وعلى مدى القرن التاسع عشر كانت الثورات والحروب الأهلية على المستويين المحلي والقومي قد دمرت كولومبيا، ووصلت ذروتها في 1899 عندما بدأت حرب الألف يوم، انتهى هذا الصراع في أواخر 1902 بهزيمة حزب الأحرار. كانت هذه الحرب قد خلفت ما يزيد على 100 ألف قتيل غالبيتهم من الفلاحين البسطاء وأبنائهم. وقد خاض هذه الحرب جدّ غارسيا ماركيز.

عامل آخر أثر على أعماله هو مذبحة إضراب مزارع الموز عام 1928- أي سنة مولده - ، حيث كان الموز له أهميته الاقتصادية في البلاد في ذاك الوقت ، وشركة الفواكه المتحدة الأمريكية كان لها حق الاحتكار الفعلي لتجارة الموز التي كانت في تلك الفترة المصدر الوحيد لدخل العديدين من الكوستينو بما فيها أراكاتاكا وكانت الشركة مرتشية استغلت عمالها الكولومبيين بشكل بشع.

في أكتوبر من عام 1928 قام ما يزيد على 32 ألف عامل بالإضراب مطالبين بأوضاع عمل صحية، وعلاج طبي، ودفعات نقدية بدلاً من صكوك الشركة التي لا يمكن صرفها. وكان رد فعل الأمريكيين تجاه إضراب العمال واعتراضاتهم هو تجاهل مطالبهم، وبعد بداية الإضراب بفترة قصيرة احتلت الحكومة الكولومبية منطقة مزارع الموز، واستخدمت القوات المسلحة لمجابهة المضربين، حتى أنها أرسلت قواتها لإطلاق النار على العمال العزل حينما حاولوا التظاهر بالقرية مسقط رأس ماركيز ، وبذلك قتلت المئات منهم. وخلال الشهور القليلة التي تلت، كانت أعداد كبيرة من الناس قد اختفت، وفي النهاية أُنكرت الواقعة برمتها بشكل رسمي، ومسحت من كتب التاريخ تماماً. لكن غارسيا ماركيز أدرج هذه الأحداث ووثقّها فيما بعد في كتابه "مائة عام من العزلة
".

الأساطير والكتب تملأ عالم غابيتو:

كانت كنية ماركيز التي ينادى بها هي غابيتو "غابرييل الصغير"، كان صبياً هادئاً خجولاً، مفتون بقصص جدّه وخرافات جدته، وعداه هو وجده كان البيت بيت نساء، ذكر ماركيز فيما بعد أن معتقداتهن جعلته يخشى مغادرة مقعده، نصف رعبه كان من الأشباح التي كن يتحدثن عنها، ومع ذلك كانت هذه الحكايات هي بذور أعماله المستقبلية. قصص الحرب الأهلية، وقصة مذبحة الموز، وزواج والديه، والمزاولات اليومية للطقوس المتعلقة بالخرافات، إضافة إلى حضور ومغادرة الخالات، وبنات جّده غير الشرعيات كل هذه الأمور كتب عنها غارسيا ماركيز فيما بعد قائلاً: "أشعر أن كل كتاباتي كانت حول التجارب التي مررت بها وسمعت عنها وأنا برفقة جدي".

مات جده عندما كان لا يزال في الثانية عشرة من عمره ونتيجة لذلك ساءت حالة العمى لدى جدته، فذهب ليعيش مع والديه في سوكر، حيث يعمل والده كصيدلاني بعد أن وصل إلى سوكر بفترة وجيزة، قرر والداه أنه قد آن الأوان ليتلقى تعليمه بشكل رسمي، فأرسلا به إلى مدرسة داخلية في بارانكويللا، وهي مدينة تقع على ميناء نهر ماغدالينا، هناك اشتهر عنه قصائده الظريفة ورسومات الكاريكاتير وبشكل عام كان جاداً وغير رياضي إلى درجة أن أقرانه في الفصل أطلقوا عليه كنية " الرجل العجوز".

في عام 1940 عندما كان لا يزال في الثانية عشرة من العمر، حصل على بعثة دراسية لمدرسة ثانوية للطلبة الموهوبين، كان يدير المدرسة اليسوعيون المتدينون، وكانت هذه المدرسة التي تسمى الليسو ناسيونال في مدينة زيباكويرا التي تبعد 30 ميلاً إلى الشمال من العاصمة بوغوتا، كانت الرحلة إليها تستغرق أسبوعاً، وفي ذلك الوقت وصل إلى نتيجة وهي أنه لا يحب بوغوتا. كانت أول مرة يرى فيها العاصمة، وجدها كئيبة وظالمة، وتجربته هذه ساعدته على تأكيد هويته ككوستينو.

وجد نفسه في المدرسة مهتماً بدراسته إلى أقصى حد، وفي الأمسيات كان يقرأ على زملاؤه في السكن الداخلي محتوى الكتب بصوت مرتفع ,بعد تخرجه عام 1946 عندما كان في الثامنة عشرة من العمر حقق أمنية والديه بالالتحاق بجامعة يونيفيرسيداد ناسيونال في بوغوتا كطالب لدراسة القانون بدلاً من الصحافة
.

مرسيدس .. رفيقة الحياة :

خلال تلك الفترة التقى غارسيا ماركيز زوجة المستقبل أثناء زيارة لوالديه حيث تم تعريفه على فتاة في الثالثة عشرة من العمر تدعى مرسيدس بارتشا باردو. كانت شديدة السمرة وهادئة، انحدرت من أصول مصرية، يقول ماركيز إنه وجد أنها "أكثر إنسان ممتع قابله في حياته"، وبعد تخرجه من الليسيو ناسيونال، أخذ إجازة قصيرة مع والديه قبل الذهاب إلى الجامعة، أثناء تلك الفترة طلب يدها للزواج .
وافقت على شرط أن تنهي دراستها أولاً، وقامت بتأجيل الخطوبة، ومع أنهم لم يكونوا ليتزوجوا قبل أربعة عشر عاماً .. المقربون من الكاتب يعرفون مدى أهميتها بالنسبة له؛ فهي التي تدير أمور العائلة، وهو يتحدث عنها باستمرار، ويقول "إن زوجتي وولدَي أهم ما في حياتي، وبفضلهم استطعت تخطي الصعاب التي واجهتني", ولماركيز ابنان "رودريجو" مخرج سينمائي يعيش في الولايات المتحدة، و"جونزالو" مصمم جرافيك ويعيش في المكسيك
.


ولد ليكون أديبا..

وجد غارسيا ماركيز أنه لا يوجد لديه أي اهتمام في دراسته، وأصبح كسولاً إلى درجة كبيرة، فبدأ بالتخلف عن حضور المحاضرات، وأهمل دراسته، ونفسه كذلك، كان يفضّل التجول في بوغوتا، والتنقل في مواصلاتها، وقراءة الشعر بدلاً من دراسة القانون، تناول طعامه في المقاهي الرخيصة، ودخن السجائر، واختلط بالمشبوهين المعتادين مثل الاشتراكيين المثقفين، والفنانين المتضورين جوعاً، والصحفيين الواعدين، وفي يوم ما، تغيرت حياته بأكملها من خلال قراءة كتاب واحد بسيط ، اسمه "كافكا".. كان لهذا الكتاب أكبر الأثر على ماركيز، حيث جعله يدرك أنه لم يكن على الأديب أن يتحدث عن نفسه على شكل قصة تقليدية. يقول: "فكرت في نفسي.. لم أعرف إنساناً قط كان مسموحاً له بالكتابة بهذا الأسلوب، لو كنت أعرف لكنت بدأت الكتابة منذ زمن طويل" .." إن صوت كافكا كان له نفس الصدى الذي امتلكته جدتي، كانت هذه هي طريقتها التي استخدمتها في رواية القصص، حيث تحدثت عن أغرب الأحداث، بنبرة صوت طبيعية تماماً".

حاول بعدها أن يلحق بما فاته من الأدب الذي لم يكن قد اطلع عليه، بدأ بالقراءة بنهم شديد، وبدأ أيضاً بكتابة قصص الخيال، وتفاجأ هو شخصياً بقصته الأولى "الاستقالة الثالثة" عندما نشرت عام 1946 في صحيفة بوغوتا الليبرالية "الإسبكتيتور" ( حتى أن ناشره المتحمس مدحه وقال عنه "العبقري الجديد للكتابة الكولومبية" )، دخل بعدها ماركيز مرحلة الإبداع بكتابة عشرة قصص أخرى للصحيفة خلال السنوات القليلة اللاحقة
.

العنف يطارد ذاكرة الأديب :

هناك فترة عايشها الأديب ماركيز وأثرت على كتاباته بشكل كبير يُطلق عليها " لا فايولينسيا" أي العنف، امتدت جذور هذا العنف إلى مذبحة الموز، في ذلك الوقت شخص واحد فقط من رجال السياسة امتلك الشجاعة إلى درجة الوقوف في وجه الحكومة وانتقاد فسادها، كان اسمه جورجي ايليسير غيتان، وهو شاب من أعضاء الكونجرس من الليبراليين، حيث نادى في اجتماعات الكونجرس بالتحقيق في الحادث , بدأت شهرة غيتان بعدها تنتشر كبطل للفلاحين والفقراء
.

لكنه أصبح مصدر قلق لأعضاء الكونجرس من ذوي النفوذ من كلا الحزبين، وكان يبشر من خلال الإذاعة بحلول وقت التغيير الذي يجبر الشركات على التصرف بشكل مسئول , بحلول عام 1946 كان غيتان قد أصبح ذا نفوذ قوي لأن يتسبب بانشقاق في حزبه الذي كان قوياً وفي المرتبة الأولى منذ عام 1930 ، أدى هذا الانشقاق إلى عودة المحافظين إلى السلطة، وإلى الشعور بالخوف من ردة فعل انتقامية متوقعة، لذلك بدءوا بتنظيم جماعات برلمانية كان الغاية منها إشاعة الرعب في قلوب الناخبين الليبراليين، وهذا ما نجحوا في تحقيقه بشكل يثير الإعجاب عندما قاموا بقتل الآلاف منهم، في عام 1947 استطاع الليبراليون أن يسيطروا على الكونغرس، وبذلك نصبوا غيتان رئيساً للحزب وفي التاسع من أبريل عام 1948 اغتيل غيتان في بوغوتا وارتجـّت المدينة بحالات مميتة من الشغب لمدة ثلاثة أيام، هذه الفترة أطلق عليها اسم بوغوتازو وكانت حصيلتها 2500 قتيل، كما تم تنظيم فرق جيوش مقاتلة من كلا الحزبين، وساد الرعب أنحاء البلاد .. حرقت أثناءها المدن والقرى، وقتل الآلاف بشكل وحشي ، وصودرت المزارع، وهاجر أكثر من مليون فلاح إلى فنزويلا . وفي النهاية حلَّ المحافظون الكونجرس، وأعلنوا البلاد في حالة حصار، وتمت ملاحقة الليبراليين وحوكموا وأعدموا
.

تقطّعت أوصال البلد في فترة العنف هذه التي كانت من نتائجها مقتل ما يزيد عن 150 ألف كولومبي حتى عام 1953 ، هذا العنف أصبح فيما بعد الخلفية الأساسية للعديد من روايات ماركيز وقصصه، خصوصاً ما كتبه في رواية "الساعة الشريرة
".

وككاتب إنسانيات من عائلة متحررة، كان لاغتيال غيتان عام 1948 تأثير كبير على ماركيز، حتى أنه شارك في مظاهرات البوغوتازو ، أغلقت في تلك الفترة كلية اليونيفيرسيداد ناسيونال، مما عجّل بانتقاله إلى الشمال الأكثر أمناً، حيث انتقل إلى جامعة كاراتاغينا، هناك تابع دراسة القانون بفتور، وأثناء ذلك كان يكتب عموداً يومياً لصحيفة اليونيفيرسال، وهي صحيفة كارتاغينية محلية، في النهاية قرر أن يتخلى عن محاولاته في دراسة القانون عام 1950
.

وقد كانت الصحافة مصدر إلهام كبير لماركيز في الكثير من أعماله حتى أن واحدة من أشهر أعماله
"خريف البطريرك" قد اختمرت في رأسه بشكل كامل أثناء تغطية صحفية كان يقوم بها لمحاكمة شعبية لأحد الجنرالات المتهمين بجرائم حرب، ومن ناحية أخرى فان عمله الصحفي أتاح له نفوذا كبيرا في كثير من الأنظمة الحاكمة ومراكز السلطة في أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى شبكة اتصالات واسعة بشخصيات سياسية ما كانت شخصيته كأديب ستسمح له بها.


"فولكنر" و "سوفوكليس".. إشارة البدء

"
أن أكثر ما يهمني في هذا العالم هو عملية الإبداع . أي سر هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوى يمكن لكائن بشري أن يموت من اجله ، أن يموت جوعا ، أو بردا ، أو من أي شيء آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه ، وهو شيء في نهاية المطاف ، إذا ما أمعنا النظر ، لا ينفع في أي شيء ؟ "

كرس ماركيز في الفترة اللاحقة نفسه للأدب حيث انتقل ليعيش في بارانكويللا، وبدأ بالاختلاط بالدائرة الأدبية التي يطلق عليها اسم إيل غروبو دي بارانكويللا، وتحت تأثيرها بدأ يقرأ أعمال همنجواي، وجويس، وولف، والأهم من كل هؤلاء فولكنر. كذلك وقعت يده على دراسة عن الروائع الأدبية وجد من خلالها الإلهام الكبير في أوديبوس ريكس التي كتبها سوفوكليس. أصبح كل من فولكنر، وسوفوكليس أكبر تأثير مرّ عليه في حياته خلال أواخر سنوات الأربعينات وبداية الخمسينات، بهره فولكنر في مقدرته على صياغة طفولته على شكل ماضٍ أسطوري، ومن كتاب أوديبوس ريكس، وأنتيجون لسوفوكليس وجد الأفكار لحبكة رواية تدور حول المجتمع، وإساءة استخدام السلطة فيه، علمه فولكنر أن يكتب عن أقرب الأشياء إليه وقد حدث.

عندما عاد برفقة والدته الى بيت جدته في أراكاتاكا، لتجهيز البيت من أجل بيعه، وجدوا البيت في حالة مزرية وبحاجة للكثير من الإصلاح، ومع ذلك، أثار هذا البيت في رأسه زوبعة من الذكريات كان يرغب في رواية بعنوان "لاكازا " البيت"، وعند عودته إلى بارانكويللا كتب أولى رواياته "عاصفة الورقة" بحبكة معدّلة عن أنتيجون، وأعاد نقلها إلى البلدة الأسطورية، ولكن في عام 1952، رفض الناشر عرض القصة إلى عام 1955 حين كانت الأجواء تهيأت لإخراجها من الدرج وأثناء وجود غارسيا ماركيز في أوروبا الشرقية وقد نشرت على يد أصدقاء ماركيز الذين أرسلوها للناشر.

كان في هذا الوقت لديه أصدقاء وعمل ثابت في كتابة أعمدة لصحيفة الهيرالدو، وفي المساء عمل على كتابة قصصه الخيالية، بعد ذلك عام 1953 حاصرته حالة من القلق، فجمع حاجياته، واستقال من عمله، وبدأ يبيع الموسوعات في لاغواجيرا مع صديق له، ثم خطب مرسيدس بارتشا بشكل رسمي، انتقل بعدها في 1954 مرة أخرى الى بوغوتا، وقبل بالعمل ككاتب للقصص والمقالات عن الأفلام في صحيفة السبيكتاتور
.

نحو تحرر الشعوب..

هناك بدأ بمغازلة الاشتراكية، محاولاً أن يفلت من انتباه الدكتاتور غوستافو روجاز بينيللا في ذلك الوقت، وكان يفكر كثيراً في واجباته ككاتب في فترة العنف , وفي عام 1955 حصلت حادثة أعادته إلى طريق الأدب، وأدت بشكل ما إلى نفيه المؤقت من كولومبيا، حينما غرقت المدمرة الكولومبية الصغيرة "الكاداس" في مياه البحر العالية أثناء عودتها من كارتاغينا، وجرف العديد من البحارة عن ظهر المركب وماتوا جميعاً، عدا رجل واحد هو لويس اليخاندرو فيلساكو.
الذي استطاع أن يعيش لمدة عشرة أيام في البحر متمسكاً بقارب نجاة , وعندما جرفته الأمواج إلى الشاطئ ، أصبح بسرعة مذهلة بطلاً قومياً، فاستخدمته الحكومة في الدعاية لها، قام فيلاسكو بعمل كل شيء، من إلقاء الخطب إلى الدعاية لساعات اليد والأحذية، وفي النهاية قرر أن يقول الحقيقة.. كانت سفينة الكالداس تحمل بضائع غير مشروعة، وأغرقتهم مياه البحر بسبب إهمالهم وعدم كفاءتهم ! وبزيارته لمكاتب صحيفة ايل سبيكتاتور قدم فيلاسكو قصته لهم، وبعد تردد قبلوا بها، سرد فيلاسكو قصته على غارسيا ماركيز ، والذي أعاد صياغة قصته نثراً، ونشر القصة على مدى أسبوعين كاملين، تحت عنوان "حقيقة مغامرتي، قصة لويس اليخاندرو فيلساكو"، أثارت القصة ردة فعل قوية، فبالنسبة لفيلاسكو طردته البحرية من العمل، وكان يُخشى من أن بينيللا قد تطالب بمحاكمة غارسيا ماركيز، فأرسلته دار نشره إلى إيطاليا لتغطية نبأ الموت الوشيك للبابا بيوس الثاني عشر، غير أن بقاء البابا على قيد الحياة جعل رحلته دون فائدة، فرتب لنفسه رحلة حول أوروبا كمراسل، وبعد مراجعة للخطة في روما، بدأ بجولة في الكتلة الشيوعية، وبعد ذلك في نفس تلك السنة استطاع أصدقاؤه أن ينشروا له أخيراً روايته "عاصفة ورقة" في بوغوتا.

تجول ماركيز مسافراً بين جنيف، وروما، وبولندا، وهنغاريا، واستقر في النهاية في باريس حيث وجد نفسه عاطلاً عن العمل، عندما أغلقت حكومة بينيللا مطابع صحيفة أيل سبيكتاتور، عاش في الحي اللاتيني من المدينة، حيث حصل على متطلبات معيشته على شكل ديون مؤجلة، إضافة إلى القليل من النقود من إعادة الزجاجات الفارغة.. وهناك تأثر بكتابات همنغواي، وطبع حوالي إحدى عشر مسودة من روايته "لا أحد يكتب للكولونيل" نقرأ فيها عن كولونيل انتهى دوره السياسي واصبح خارج اللعبة، يرصد جزيئات حياته اليومية، عارضاً بؤسها، تفاصيل صغيرة تحكي ما آلت إليه حياة الكولونيل، فالرجل الذي قضى حياته عسكرياً مرموقاً في ظل الدكتاتورية التي تحكم بلداً من بلدان العالم الثالث، اصبح الآن وحيداً، منبوذاً، يعاني من بؤس وفراغ مدمرين، يتشبث يائساً بالحياة، منتظراً بريداً لا يصل أبدا، البريد الحامل لجواب الحكومة والمتعلق براتبه التقاعدي، إضافة إلى جزء من رواية "الساعة الشريرة" .

بعد الانتهاء من رواية الكولونيل سافر إلى لندن، وفي النهاية عاد إلى فنزويلا المكان المفضل للاجئين الكولومبيين، هناك أنهى روايته "البلدة المكونة من الهراء" ، الذي كان معظمه حول فترة العنف وتعاون مع صديقه القديم بلينيو أبوليو الذي كان حينها محرراً في صحيفة "ايلايت" وهي صحيفة أسبوعية في كاراكاس، وطوال عام 1957 تجول كلاهما في دول أوروبا الشيوعية باحثين عن أجوبة وحلول لمشكلات كولومبيا، مساهمين بمقالات في دور النشر الأمريكية اللاتينية المختلفة، ومع إيمانهم بوجود شيء جيد في الشيوعية، إلا أن غارسيا ماركيز أيقن بأن الشيوعية قد تكون سيئة بنفس مقدار درجة العنف التي مرت بها البلاد، وبعد مكوثه في لندن لمدة وجيزة، عاد مرة أخرى إلى فنزويلا .

وفي 1958 جازف ماركيز بالعودة إلى كولومبيا بشكل مستتر، واختفى عن الأنظار متسللاً إلى بلدته الأصلية، وتزوج بمرسيدس باتشا التي كانت تنتظره في بارانكويللا لسنوات طويلة، وبعد ذلك تسلل هو وعروسه مرة أخرى عائداً بها إلى كاراكاس ، وبعد أن نشرت صحيفة "مومينتو" بعض المقالات عن الخيانة الأمريكية، واستغلال الطغاة، أذعنت للضغط السياسي وأخذت موقفاً موالياً لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بعد زيارة نيكسون المدمرة في مايو، مشحونين بالغضب من موقف صحيفتهما سلّم كل من غابرييل غارسيا ماركيز، وصديقه ميندوزا استقالتيهما.

بعد فترة وجيزة من تركه لوظيفته في صحيفة "مومينتو" وجد ماركيز نفسه هو وزوجته في هافانا حيث كان يغطي أحداث ثورة كاسترو، ألهمته الثورة فساعد من خلال فرع بوغوتا في وكالة أنباء كاسترو برنسالاتينا، وكانت بداية صداقة بينه وبين كاسترو استمرت حتى هذه اللحظة
.

ساعة شريرة تصيبه بالإحباط

وفي عام 1959 ولد رودريجو الابن الأول لغارسيا ماركيز، وانتقلت العائلة لتعيش في مدينة نيويورك، حيث كان مشرفاً على فرع صحيفة "برنسا لاتين" في أمريكا الشمالية، واجتهدوا كثيراً تحت تهديدات القتل التي وجهها لهم الأمريكان الغاضبون فاستقال ماركيز من عمله بعد عام واحد، وأصبح مشوشاً بالنسبة للتصدعات الفكرية التي كانت تحدث في الحزب الاشتراكي الكوبي. فانتقل بعائلته إلى مدينة مكسيكو، مسافراً عبر الجنوب وحُرِمَ من دخول الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى حتى عام 1971.

في مدينة مكسيكو عمل على ترجمة الأفلام، وعمل على كتابة السيناريوهات المسرحية، وأثناء ذلك بدأ بنشر بعض رواياته الخيالية. ساعده أصدقاءه على نشر رواية "لا أحد يكتب إلى الكولونيل" عام 1961، وبعد ذلك، رواية " جنازة الأم الكبيرة" عام 1962، في نفس ذلك العام ولد ابنه الثاني غونزالو. وأخيراً أقنعه أصدقاؤه بدخول مسابقة الأدب الكولومبي في بوغوتا. راجع رواية "الساعة الشريرة" وقدمها ففازت. فقام رعاة الجائزة بإرسال الكتاب إلى مدريد من أجل نشره، وصدر عام 1962، وكانت خيبة أمله كبيرة، فقد قام الناشر الإسباني بالتخلص من جميع الألفاظ العاميّة المستخدمة في أمريكا اللاتينية، وكل المادة التي اعترض عليها، ونقحها إلى درجة يصعب فيها التعرف على العمل الأصلي ، وجعل الشخصيات تتكلم اللغة الإسبانية الرسمية الموجودة في القواميس، فاكتئب ماركيز إلى درجة كبيرة، واضطر إلى رفض العمل، وكان عليه أن يعمل حوالي نصف عقد حتى يعيد نشر الكتاب بشكل مـُرضي.

طغى عليه الشعور بالفشل، لم يبع من أعماله أكثر من 700 نسخة، ولم يحصل على أي حقوق للتأليف، وحتى هذه اللحظة رواية "ماكوندو" فلتت من قبضته أيضاً , في عام 1967 نشر كتاب بعنوان "خبر اختطاف " عن الكفاح الدامي لكولومبيا ضد المخدرات والإرهاب
.


مائة عام من العزلة

"
ماكوندو" هي البلدة التي تدور فيها أحداث "مائة عام من العزلة"، والموقع الجغرافي الحقيقي لماكوندو، يقع على أرض أمريكا اللاتينية في مخيلة ماركيز. فورا بعد لحظة التنوير تلك بدأ ماركيز في كتابة روايته "مائة عام من العزلة"، كان يكتب يوميا، ولم يتوقف عن الكتابة لمدة 18 شهرًا متواصلة، كرس نفسه كليا للكتابة حتى أنه توقف عن العمل لإعالة أسرته واضطر لبيع كل ما ممتلكاته من أثاث وأجهزة منزلية، كما تراكمت عليه الديون.

مائة عام من العزلة مع مجموعة من رواياته

ماكوندو هي المدينة العالم التي أعاد ماركيز بناءها بكل ما يحمل في قلبه من ذكريات الطفولة وبيت النمل وحكايات الجدة، والموتى الأحياء، وبالنبرة ذاتها التي كانت تحكي بها الجدة الحكايات تحدث ماركيز عن الحرب والعنف وضياع المبادئ وسط الثورات الدامية والخلافات الأيدلوجية التي كانت تفتك ببلاده. نشرت مائة عام من العزلة عام 1967، بيعت منها على الفور 8000 نسخة آنذاك، وبعد مرور 3 سنوات على نشرها كانت قد باعت نصف مليون نسخة، وترجمت إلى 12 لغة، وحصلت على 4 جوائز، لقد حولت ماركيز إلى أشهر كاتب في أمريكا اللاتينية، وواحد من أشهر كتاب العالم.

دبلوماسية ماركيز لإحلال السلام

مازال ماركيز يحظى بزيارات مشاهير العالم مثل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ورئيس الوزراء الأسباني السابق فليب جونزاليس ويقضي الساعات في مناقشة الأحوال السياسية والتطرق لدوره البارز باعتباره وسيط في عملية السلام بين متمردي الجناح الأيسر والحكومة الكولومبية وهو يري أنه نجح في إصلاح الكثير من القضايا التي غاب عنها وجه العدالة في جميع أنحاء العالم وذلك باستخدام دبلوماسيته التي اشتهر بها وهو ما يعده ماركيز تكتيكا أكثر فاعلية من مجرد الاستعانة بالبروتوكولات الرسمية.

في السادس من أغسطس عام 1986 ألقى ماركيز خطبة في اجتماع عالمي لمناسبة ضحايا قنبلة هيروشيما، رسم فيه الصورة المظلمة لحاضر الإنسان ومستقبله في ظل السيطرة النووية للدول الكبرى، وأعاد إلى الأذهان احتمالات ما بعد الكارثة، وأرجح هذه الاحتمالات أن الصراصير وحدها ستكون شاهدة على حضارة الإنسان بعد أن يحل ليل أبدي بلا ذاكرة
.


نوبل بين من يستحقها ومن لا يستحقها..؟

في عام 1982 حصل غابرييل غارسيا ماركيز على جائزة نوبل للأدب عن رائعته «مائة عام من العزلة».. وعندما تسلم الكاتب الكولومبي قيمة الجائزة كان أول ما فكر فيه هو شراء دار صحفية يعود من خلالها لممارسة عمله المفضل في الحياة: "لقد ظلت النقود موضوعة في احد البنوك السويسرية لمدة ستة عشر عاما نسيت خلالها امرها تماما حتى ذكرتني بها مرسيدس فكان أول ما فعلت هو شراء كامبيو". هكذا يقول بنفسه. وكامبيو Cambio هي مجلة إخبارية أسبوعية حققت نجاحا تجاريا كبيرا بسبب المقالات التي يكتبها ماركيز فيها والتي تعتبر وسيلته للتحاور مع قرائه عن طريق الرد على أسئلتهم واستفساراتهم التي تكشف في أحيان كثيرة عن جوانب لم تكن معروفة عن حياته. كما ينقب كثير منها في أغوار مطبخه الأدبي ليكشف عن كثير من أسرار اشهر أعماله. وقال لحظة تسلمه الجائزة: "لقد أدركت أن عبقريتي الحقيقية موجودة في جذوري ببيت أركاتيكا بين النمل وحكايات الجد والجدة، على أرض كولومبيا في أمريكا اللاتينية".

أدرك ماركيز أن جائزته الكبرى ربما تذهب لمن لا يستحقها، " إنه لمن عجائب الدنيا حقًّا أن ينال شخص كمناحيم بيجين جائزة نوبل في السلام، تكريمًا لسياسته الإجرامية التي تطورت في الواقع كثيرًا خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة.. إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذي تفوق على الجميع هو الطالب المجد ارييل شارون
.".

غابرييل خوسيه غارسيا أثناء تسلمه جائزة نوبل

ويقول عن اقتسام الرئيس أنور السادات وبيجن لجائزة نوبل السلام : "الرجلان اقتسما الجائزة، لكن المصير اختلف من أحدهما إلى الآخر، الاتفاقية ترتب عليها في حالة أنور السادات انفجار بركان الغضب داخل جميع الدول العربية، فضلا عن أنه - ذات صباح من أكتوبر 1981- دفع حياته ثمنًا لها. أما بالنسبة لبيجين فلقد كانت هذه الاتفاقية نفسها بمثابة الضوء الأخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي لا يزال حتى هذه اللحظة يمضي قدمًا. أعطته الجائزة أول الأمر الغطاء اللازم حتى يذبح - بسلام- ألفين من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات داخل بيروت سنة 1982… جائزة نوبل في السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطيني، كما أدت إلى بناء آلاف المستوطنات على الأرض الفلسطينية المغتصبة. ‏" ويقول : " هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن، لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدولي….أنا لا أعرف هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي لـه بغير الاحتقار. لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني… أنا أطالب بترشيح ارييل شارون لجائزة نوبل في القتل، سامحوني إذا قلت أيضًا إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل. أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة "

التوقف عن الكتابة

اشتهر ماركيز في السنوات الأخيرة بغزارة إنتاجه الأدبي ففي عام 2002نشر الجزء الأول من سيرته الذاتية "عشت لأروي"، والتي يستعيد فيها أدق تفاصيل الطفولة والشباب، بصورة درامية وبدأ في كتابتها بعدما علم أنه مصاب بمرض السرطان في عام 1999م يقول: "إن وهبني الرب من الحياة قطعة فسأرتدي ملابس بسيطة، وأستلقي تحت الشمس…" وقد ترجمها للعربية الدكتور طلعت شاهين، الجزء الأول من تلك المذكرات صدر في طبعة من مليون نسخة تم تقديمها في كل من برشلونة وبوجوتا وبوينس ايريس والمكسيك في وقت واحد ، وفي عام 2004 كتب روايته الشهيرة "ذكريات غانياتي الحزينات" التي لاقت رواجا غير مسبوق في شتي أنحاء العالم، غير أنه في لقاء له بصحيفة "لا فينجرديا" المكسيكية أعلن ماركيز أنه توقف عن الكتابة وأن عام 2005 كان هو العام الأول في حياته الذي لم يستطع فيه كتابة سطر واحد..

مع انه يعتبر واحدا من أشهر أربعة أو خمسة شخصيات في القرن العشرين إلا انه ولد في بلدة تقع وسط لا مكان سكانها بضعة آلاف ومعظمهم من الأميين، شوارعها غير معبدة بلا أسماء ومن دون نظام تصريف مياه صحي اسمها اركاتاكا التي تمثلت في روايته بماكوندو. ويرى كاتب سيرته أن قلة قليلة من المبدعين جاؤوا من أرضية متواضعة وبلدة صغيرة استطاعت أن تعيش زمنها وتحولاته الثقافية والسياسية وشربته حتى الثمالة مثل هذه الشخصية.
اليوم ماركيز ثري يملك سبعة بيوت في أماكن لا يسكنها إلا الأثرياء في خمس دولة مختلفة، وفي العقود الماضية كان بإمكانه أن يطلب (وفي العادة يرفض) 50 ألف دولار على مقابلة تلفزيونية أو صحافية لا تستغرق أكثر من نصف ساعة. وكان بإمكانه أيضا أن ينشر أي مقال يرغب في نشره في صحيفة في أي مكان في العالم ويتقاضى مكافأة مالية هائلة لقاءها. وتظهر عناوين رواياته على كل أغلفة الصحف والمجلات في العالم، وأكثر من هذا قضى ماركيز نصف حياته كنجم، يصادق النجوم والمشاهير ويعيش مثلهم، ومن بين أصدقائه رؤساء دول مثل المكسيك، وفرانسوا ميتران، الرئيس الفرنسي السابق، وفيليب غونزاليه وبيل كلينتون. وعلى الرغم من كل الشهرة والثراء والحياة في الأضواء ظل ماركيز رجلا مرتبطا باليسار متمسكا برؤيته التقدمية، داعما للقضايا الايجابية والأعمال البناءة مثل دعمه لبناء معهد لتدريب الصحافيين وصناعة الفيلم. ولأنه ارتبط باليسار فعلاقته مع الرئيس الكوبي فيديل كاسترو ظلت محلا للنقد والجدل على مدى الثلاثين عاما الماضية.


سيرة رسمية متسامح بها 


هذه الحياة بين الجماهير والنجوم تضع على كاهل أي كاتب سيرة يود كتاب سيرته مهمة خاصة وتحديات كبيرة. لكن مفهوم الكتابة عنه كروائي ونجم ظل ماركيز يستبعدها ويرفضها لان السيرة الذاتية لا تكتب إلا في معرض الموت، فالسؤال الذي تلقاه جيرالد مارتن منه كان لماذا تريد أن تكتب سيرة ذاتية، فالسير الذاتية تعني الموت. ويقول مارتن انه عمل 17 عاما على سيرة وحياة ماركيز التي صدرت حديثا في لندن غابرييل غارسيا ماركيز: حياة وانه عندما بدأ بالإعداد لعمله وبالمناسبة جاء في نسخته الأولى في ألفي صفحة، لم يلق تشجيعا من احد، واعتقد الكثيرون انه سيفشل في إقناع ماركيز لكن الأخير كان كريما ومضيافا ومتسامحا ومع مرور الوقت كان السؤال المطروح عليه إن كانت سيرته عن ماركيز رسمية فيكون الجواب نعم ولا ولكنها سيرة متسامح بها. وفي عام 2006 تحدث ماركيز نفسه ان مارتن هو كاتب سيرته الرسمي. وهذا الاعتراف جاء بعد الاتفاق المشروط بينه وبين ماركيز الذي قال في أول لقاء تم بينهما عام 1990 انه مستعد للمضي في المشروع طالما لم يطلب منه مارتن أن يقوم بالوظيفة أي بالعمل. والعمل الجديد الذي يضعه مارتن بين أيدينا هو ثمرة جهد لقي دعما ومساعدة من ماركيز كلما اقتضى الأمر لكن الباحث أجرى حوالي 300 مقابلة مع معارف ومقربين من ماركيز الكثيرين منهم مَنْ لم يعودوا بيننا ولكن غونزاليس أو فيديل كاسترو ليسا من بين الذين قابلهم. ومثل كتاب السيرة لم يجد الكاتب هنا دعما عاطفيا من صاحب السيرة، فالتفاعل بينهما كان أخلاقيا لم يحاول فيه ماركيز التأثير على كاتب سيرته أي شيء كتبه بل شجعه على الكتابة قائلا اكتب ما تراه، وأياً كان ما تكتبه هو ما سأكونه . يعترف مارتن أن قصة ماركيز متعددة الطبقات والجوانب قدمها لنا ماركيز نفسه في أكثر من سياق ورواية، ولأن ماركيز نفسه كاتب لا يحب القصص العادية ويشغف بالقصص المرضية والحكايات ذات الطابع الأسطوري، فهو كاتب يحب الرواية ويكره أدوات الأكاديميين مما أضاف تحديات على كاهل كاتب السيرة هنا، ولهذا جاءت حكاية وحياة ماركيز في أكثر من ستمائة صفحة تلاحق طفولة وحكاية آل ماركيز وتدخل في أسرارهم وحكاياتهم. وما يلاحظه القارئ هنا أن حكايات ماركيز، خاصة رائعته مئة عام من العزلة مغروسة في ماضي الكاتب وماضي عائلته، ومهمة مارتن في ملاحقته لحكاية ماركيز الحافلة وكفاحه من اجل الاعتراف به ككاتب على مستوى مهم في عالم الرواية الناطقة بالاسبانية إن كل شخصية من شخصيات رواياته لها علاقات وتجذرات في حياة وواقع ماركيز الذي عاشه. ولم يعتبر ماركيز نفسه كاتبا أو مدفوعا بمهمة كتابة الرواية العظيمة إلا بعد أن اكتشف ماضيه، ماضي أمه وعائلتها وماضي والده وعائلته، وبعد أن صفى معرفته بالماضي اعتبر نفسه شخصا مؤهلا لكتابة رائعته.
مارتن يعتقد أن كل ما أنتجه ماركيز وأضفى عليه روايته السحرية مغروس في ماضيه. ولم يكن ماركيز بقادر على خلق عوالمه الروائية الساحرة من دون أن يرحل في المكان الكولومبي ويفهم تجلياته وصراع الأضداد فيه بين المحافظين والليبراليين وبين المركز والهامش وبين الذين يملكون ومن لا يملكون وبين الريف والمدينة وهو كل ما يمثله تاريخ كولومبيا الحديث. كأن ماركيز لم يكن قادراً على خلق عوالمه السحرية من دون أن يفهم مكونات وعناصر التراث الشعبي وأغاني وتطلعات وحنين المحرومين. لم يكن ماركيز نبتة غريبة عن الأمكنة التي صنعها، فقد عاشها ومنذ أن اعتقد بقدرته على ممارسة التعليق السياسي والمساهمة في الكتابة الساخرة في الصحف الوطنية الكولومبية إن في العاصمة بوغوتا أو قرطاجنة لاحقا قرر أن يكرس حياته للكتابة. لكن طريقه لم يكن سهلا ففي لحظة كان عليه أن يواجه والده الحانق عليه بعد أن قرر ترك دراسة القانون والتفرغ للكتابة والذي صرخ قائلا انه سينتهي بأن يأكل الورق.
ماركيز حتى في أيام طلبته في بوغوتا عاش حياة صعبة، حيث كان يضطر للنوم أحيانا على المقاعد في الحدائق العامة أو في ممرات الصحف التي كان يعمل بها. وفي فترة من الفترات اضطر للعيش في المواخير مع العاهرات، صادقهن وكتب رسائلهن وأعجب بعالمهن أسوة بأستاذه فولكنر الذي امتدح حياتهن. وقاد ماركيز الذي تشير شهادات مارتن إلى انه كان قانعا بحياته ولم يَشْكُ، حياة بوهيمية اقرب للصوفية والعزلة، وتقلب من صحيفة إلى أخرى وقبل في مرحلة أخرى العمل في مجال الدعاية للموسوعات والنشرات. قرأ ماركيز كثيرا واعترف بتأثيرات هيمنغوي، حيث قرأ له رواية الشيخ والبحر التي وصفها بعد قراءته لها انه تشبه عود ديناميت وتأثر بجويس وشتاينبك وفرجينيا وولف وهم رواد الحداثة في الرواية المعاصرة.

صهر بورخيس ونقد ماركيز

قبل مئة عام من العزلة كان ماركيز كاتباً معروفا بشهرة متواضعة، صحيح انه كتب أربع روايات لكنها لم تكن معروفة على نطاق واسع، واحدة من رواياته عاصفة ورقة لم تنشر إلا بعد سبعة أعوام من كتابتها، 1955، وشكلت أرضية لمعظم الموضوعات التي طرحها في مئة عام من العزلة وبذر فيها بذور ماكوندو الأولى. في مرحلة من المراحل أرسلها إلى بيونس ايرس لكي تنظر إليها لجنة من المؤلفين المعروفين في الأدب الاسباني. وكان رئيس اللجنة غوليرمو دي توري، وهو صهر الكاتب المعروف بورخيس قد كتب رسالة مدمرة لماركيز قال فيها أن روايته لا تصلح للنشر بعد أن امتدح موهبة الكاتب. مما يعني أن ماركيز كان كاتبا محدود التوزيع والشهرة في هذه الفترة. وما يهم في سيرة مارتن إنها تضع أمامنا مراحل تطور أفكار الكاتب وتقنياته. والكتاب مليء بأسماء الأمكنة والأشخاص. ويحتاج القارئ للتركيز في البداية لتحديد ملامح الصلات بين عائلة ماركيز، ويقص علينا الكاتب حكاية الجريمة التي ارتكبها جد ماركيز ورحيل العائلة وكيف أن ماركيز عاش سنواته السبع الأولى بعيدا عن أمه التي تركته مع جده الكولونيل المتقاعد الذي كان يرافقه يوميا في رحلة في شارع اركاتاكا الرئيسي ولمركز البريد في انتظار تقاعده
.
الحياة الصعبة في أوروبا

من الفصول في حياة ماركيز هي رحلته وحياته في أوروبا، فقد سافر في عام 1955 في بعثة صحافية لتغطية اجتماع الأربعة الكبار في جنيف لصالح صحيفته التي كان يعمل فيها في بوغوتا، وسافر من العاصمة الكولومبية على متن طائرة من نوع لوكهيد إلى الكاريبي ومنها إلى نيويورك ومن هناك إلى لشبونة وبعدها إلى جنيف. كان ماركيز في أوروبا بعد عشرة أعوام من انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث كانت أوروبا تتعافى من جراحها، ودخلت في حرب جديدة هي الحرب الباردة، لم يكتب ماركيز تقارير ذات طابع سياسي أثناء تغطيته للمؤتمر واهتم بانطباعاته عن جنيف والسكان ومناظر الطبيعة التي شاهدها في القطار الذي ركبه باتجاه جنيف حيث لم تتغير عن الطبيعة التي شاهدها في بلاده.
كان ماركيز قد اكتشف السينما أثناء عمله في بوغوتا واعتبر الفيلم بمثابة جنس أدبي والسينما بكونها أداة إنسانية وحمل موقفا عدائيا تجاه سينما هوليوود التجارية مع انه كان معجبا بتشارلي شابلن وارسون ويلز باعتبارهما استثناء. وبعد نهاية المؤتمر ركب القطار إلى روما وفي ذهنه مشروع زيارة مدينة الصناعة السينمائية سينسيتا حيث سجل في دورة للإخراج السينمائي، وكعادته مل ماركيز من الدورة وتركها ولكنه ظل قريبا من السينما وطور معرفته بها صوتا ونصا وتصويرا وإخراجا. كان في ذهن ماركيز إثناء إقامته في نيويورك فكرة اكتشاف أوروبا خلف الستار الحديدي، حيث زار تشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وعاد إلى روما ومنها إلى باريس.
في باريس تكرر مشهد حياته الشاقة الذي عاشه أثناء دراسته الجامعية، فانقلاب عسكري أغلق صحيفته وقطع عنه الشيك الشهري الذي كان يضمن مصاريفه وحياته في أوروبا الغربية. فماركيز وصل إلى أوروبا ولم يكن يعرف إلا اللغة الاسبانية. في باريس اضطر إلى أن يبيع الزجاجات الفارغة والجرائد القديمة كي يواصل الحياة وفي مرة تسول حتى يغطي نفقات رحلته في المترو. وما عوضه أن السيدة الفرنسية تفهمت مشكلته وكانت في كل مرة تنقله من غرفة إلى غرفة حتى وصل إلى آخر غرفة من دون تدفئة. ولم تمنعه الحياة الفقيرة وملابسه الرثة من مواصلة الكتابة. وأقام في فترته الباريسية علاقة مع ممثلة اسبانية لم تدم طويلا ولكنه تشارك الحياة الصعبة معها. وفي فترة كان يطلب من الجزارين إعطاءه عظاما كانوا يرمونها كي تقوم تاتشيا وهذا اسمها بصناعة طبق من الشوربة. هذه الحياة الصعبة لم تمنعه من مواصلة الكتابة والبحث عن أفكار لروايات أخرى، فحالة الانتظار والإحباط أدت لولادة رواية ليس لدى الكولونيل من يراسله .

ماركيز العربي الجزائري

عاش ماركيز في باريس أثناء الثورة الجزائرية ولان ملامحه كانت تشي بأنه عربي أو جزائري كثيرا ما كانت الشرطة الفرنسية تلقي القبض عليه ويركله عناصر الشرطة ويبصقون عليه، وكان يجد نفسه في زنازين مكتظة بالجزائريين المعتقلين، ومن اجل إثارة وإزعاج حرس السجن كان ماركيز ورفاقه الجزائريون يقضون الليل في الغناء والسب على الحرس التافهين. وكتب ماركيز قائلا انه تعرف لاحقا على ظروف الثورة الجزائرية وحرب التحرير من احد أصدقائه الجزائريين، وهو طبيب اسمه احمد طبال.
زار ماركيز موسكو واكتشف في زيارته تناقضات النظام الشيوعي وفي أثناء زيارته لضريح ستالين ولدت لديه فكرة كتابة رواية ظهرت فيما بعد بعنوان خريف البطريرك . كما زار لندن حيث كان يرغب في تعلم اللغة الانكليزية. وعلى الرغم من انطباعه الغامض عن سكانها إلا أن المدينة منحته ما قال عنه ذلك الحبل السري الذي يجعل منها مدينة مثيرة للكاتب وخياله. يتابع مارتن رحلة ماركيز إلى كاركاس في فنزويلا والمكسيك وعلاقته بالثورة الكوبية و فيديل كاسترو
.


جولة مع بعض من روايات
غابرييل غارسيا ماركيز الشهيرة

قصة مئة عام من العزلة 

















رائعة ماركيز مئة عام من العزلة والتي ولدت في سحب زرقاء من الدخان، حيث أغلق ماركيز على نفسه الباب ولم يكن يهتم بشيء في البيت سوى إرسال الأولاد للمدرسة، وترك الأمر لزوجته مرسيدس التي باعت كل مقتنيات البيت الكمالية لضمان استمرار حياة العائلة فيما تراكم اجر البيت وتضاعفت فاتورة الجزار والبقال. ويقول مارتن أن مرسيدس التي تزوجها ماركيز في عام 1957 لم تتجرأ على بيع جهاز تسجيل لأن ماركيز كان يحب سماع الموسيقى.
يقول مارتن أن ماركيز ومرسيدس بعد أن تأكدا من وصول النسخة الرئيسية من الرواية إلى بيونس ايرس، قاما بحرق كل الأوراق المتعلقة بها. كانت الرواية جزءاً من محاولة ماركيز الإمساك بطفولته وذكرياتها الغنية وبدلا من الحديث عن طفولته قام باستعادة الحياة في اركاكاتا أي ماكوندو. ومن أكثر اللحظات الدرامية التي واجهها ماركيز عندما قتل اورليانو بويندا في الفصل الثالث عشر، حيث بكى وندب بعد أن قتل أهم شخصية من شخصيات الرواية. كان العالم الأدبي ينتظر ولادة هذا العمل، فأجزاء منه قرئت في مناسبات أدبية، وسكرتيرته التي صححت وشذبت العمل وطبعته كانت تأخذ كل فصل يتم الانتهاء منه إلى أصدقائها وتقرؤه عليهم. في إحدى المرات كانت بيرا وهذا اسمها والعمل سيغيبان عن الوجود بعد أن تجنبت حافلة كانت ستقتلها. مئة عام أدخلت ماركيز عالم الاعتراف الأدبي. وبعدها جاءت نوبل التي رشح لها أكثر من مرة. في عام 1948 كتب ماركيز مقالا عن أستاذه ونموذجه الأدبي فولكنر لم تمنح له جائزة نوبل وعندما منحته الأكاديمية الجائزة كتب قائلا أنها جاءت متأخرة. في عام 1982 عندما منحته الأكاديمية الجائزة كان مناحيم بيغن وارييل شارون قد اجتاحا لبنان، فكتب قائلا انه يجب على الأكاديمية أن تمنحهما جائزة نوبل الموت. مارتن يقدم تفاصيل حياة ماركيز ونجوميته التي لا تزال وتحوله لظاهرة أدبية جمعت بين الأديب الجاد والسياسي والصحافي والشخصية العامة، صديق الكبار والناس العاديين. والسر أن ماركيز أحب الحياة وعاشها، وفوق هذا أحب الحكاية الجميلة ولهذا كثيرا ما أشار إلى إعجابه حتى التبجيل بقصص ألف ليلة وليلة وقصة دراكولا. وبالنتيجة يقترح مارتن ان الأدب الاسباني قدم في عصوره الوسيطة قاصاً و حكواتيا اسمه سرفانتيس وماركيز هو سرفانتيس معاصر. المهم في قصة ماركيز وتشعباتها الكثيرة أن خلف الصحافي الناجح كان هناك قاص جميل يحب المبالغة والحكاية الجميلة، وأكثر من هذا يملك صبرا على الواقع وتحديا له بقدرية المكافح وليس قدرية الخانع، فمن بوغوتا إلى قرطاجنة برناكويلا وكركاس وباريس ونيومكسيكو تمسك ماركيز بحلم الكاتب العظيم وانتهى إليه. لقد صنع ماركيز أسطورته هذه بالانفتاح على الحياة ففي اشد حالات فقره وعوزه كان يجد فرصة للرقص والغناء والعزف على الغيتار، فعل هذا في بوغوتا وفي باريس التي كان حذاؤه فيها مخرما تتسرب إليه المياه وقميصه رثاً وجسده نحيلا.
وتتحدث رواية "مائة عام من العزلة" عن ثلاثة أجيال ، يمثل الجيل الأول جوزيه أركاديوبوينديا، وزوجته أورسولا، ويمثل الجيل الثاني ابنه العقيد أوريليانو بوينديا ، أما الجيل الثالث فيمثله أحفاد جوزيه أركاديو بوينديا، وبذلك تقص الرواية حكاية أجيال متتالية من أسرة بوينديا .
تبدأ الرواية ، على شكل ذكريات للعقيد أوريليانو بوينديا وهو أمام فصيل الإعدام . تجري الأحداث في المدينة الساحلية ماكوندو، وهي مدينة غير موجودة إلا في خيال المؤلف نفسه، كانت تأتي إلى هذه المدينة في كل عام في شهر آذار أسرة غجرية وكان اسم واحد من الغجر ملكيادس الذي كان يحمل معه سبيكتين من المغناطيس ، يجذب بهما الحديد، ولم ير سكان ماكوندو قبل ذلك المغناطيس، وأدهشته مقدرة المغناطيس على جذب المعادن .‏ أراد أحد سكان ماكوندو الاستفادة من معلومات الغجر، واسم هذا الشخص جوزيه أركايو بوينديا الذي أراد عن طريق المغناطيس اكتشاف الذهب، فاشترى المغناطيس من الغجري واستطاع استخراج درع قديم من باطن الأرض بوساطة المغناطيس .
وفي العام التالي اشترى من الغجري ناظوراً مكبراً وأراد أن يقدمه للدولة، ولكن دون جدوى، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن الأرض كروية ، فاعتقد أهل القرية أن جوزيه أركادبوبوينديا قد فقد عقله .‏
وفي السنة الثالثة أهداه الغجري مخبراً كيميائياً ، صهر جوزيه أركاديو بوينديا قطعاً من الذهب مع معادن أخرى، بهدف الحصول على معدن ثمين، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وفي إحدى المرات أخذ الغجري يبرهن على إمكانية صناعة أسنان اصطناعية، وهكذا ففي كل عام كان الغجري ملكيادس يبهر جوزيه أركاديو بوينديا باكتشاف جديد: المغناطيس، فالناظور المكبر، فالمخبر، فالأسنان الاصطناعية .‏
يعود بنا ماركيز إلى الوراء في الفصل الثاني من الرواية ، حيث يقص حكاية القرية ماكوندو ، إذ رحل إليها جوزيه اركايو بوينديا مع زوجته أورسولا بعد أن تشاجر مع شخص آخر وقتله، واسم هذا الشخص برودينسيو أجويلار، فرحل من تلك المنطقة إلى ماكوندو، واستقر فيها، وأنجب طفلين وطفلة، وكان اسم الطفل الأول جوزيه أركاديو على اسم أبيه، والطفل الثاني أوريليانو، والطفلة أمارانتا.
أقام الابن جوزيه أركاديو علاقة غرامية مع امرأة اسمها بيلار تيرنيرا، وحملت منه، لكنه بعد فترة أقام علاقة مع امرأة غجرية ورحل معها، وفتشت أمه أورسولا عن ابنها دون جدوى، وغابت فترة طويلة، بحثت خلالها عن ابنها، ولكنها عادت بعد ذلك إلى ماكوندو ،البلدة التي يعيشون فيها. أنجبت بيلار تيرنيرا طفلاً، وأعطته لجدته أورسولا، وسمته أركاديو.
في الفصل الثالث من الرواية، يعود الغجري ملكيادس إلى القرية ماكوندو، بعد أن كان قد مات. وهذا أمر غريب، ولكن في الرواية غرائب كثيرة، يقول ماركيز حول هذه النقطة: "جاء الغجري إلى القرية وهو على أهبة الإقامة فيها... لقد ذهب فعلاً إلى ديار الموتى، لكنه آب منها، لأنه لم يستطع احتمال الوحدة " . هذا أمر غريب، وهو أمر أسطوري أن يحيا الميت مرة أخرى ، ولكن هناك أمراً غريباً آخر وهو أن يعيش المرء مائتي عام، يقول ماركيز عن هذه النقطة:‏ " بعد شهور رجع فرانسيسكو، الرجل الذي بلغ من العمر 200 عام " . ويبدو أن سبب غرابة الأحداث لأنها ذكريات العقيد أوريليانو وهو أمام فصيل الإعدام ، الذي كان من المفترض أن ينفذ حكم الإعدام به.‏
في الفصل الرابع يموت مرة ثانية وأخيراً الغجري ملكيادس. وفي الفصل الخامس يتزوج أوريليانو بوينديا فتاة اسمها ريميديوس موسكوته، ولكنها تموت وهي حامل .‏
بدأت الانتخابات ، وكان فيها الكثير من التزوير، لصالح النظام الحاكم، ورداً على التزوير في الانتخابات بدأت موجة من الاغتيالات ضد الشخصيات الحاكمة، وأرادوا اغتيال الدون أبولبنار موسكوته، والد ريميديوس ، الذي كان حاكماً مدنياً عسكرياً لبلدة ماكوندو ، وكان هناك نقيب يأمر وتنفذ أوامره، فهو الحاكم الفعلي، ولذلك استطاع أوريليانو بوينديا الاستيلاء على مقر الحامية، والمقر هو المدرسة، وانتزع سلاح الحامية، وأعلن نفسه حاكماً مدنياً عسكرياً، ومنح نفسه رتبة عقيد، وبدأت الحرب في بلدة ماكوندو، التي هي قد بدأت فعلياً في المناطق الأخرى قبل ثلاثة أشهر. يقول ماركيز عنه: " كان العقيد أوريليانو بوينديا بطل اثنتين وثلاثين انتفاضة مسلحة، غُلب فيها، وتزوج سبع عشرة امرأة، كان له منهن سبعة عشر ولداً ذكراً، ذبحوا جميعاً في ليلة واحدة الواحد تلو الآخر، ونجا من أربعة عشر اغتيالاً، وثلاثة وستين كميناً...". حاولوا تسميمه إلا أن السم لم يؤثر فيه، ولم يقبل راتباً تقاعدياً، ولم يجرح خلال الحرب الأهلية، إلا أنه حاول الانتحار في نهاية الحرب الأهلية.‏
وبعد التحاق أوريليانو أركاديو بالثوار أصبحت القرية تحت قيادة أخيه أركاديو ، الذي أمر بالإقامة الجبرية للكاهن ، ويمنع قرع جرس الكنيسة ، ومنع الصلاة، إلا أن أمه أورسولا تسلمت قيادة القرية، فسمحت بالصلاة في الكنيسة، واستطاعت الدولة في نهاية المطاف قمع الانتفاضة، وقامت الدولة بتنفيذ حكم الإعدام بأركاديو الذي أظهر شجاعة كبيرة في لحظة الحكم، ولم يخف الموت، وقبل تنفيذ الحكم تذكر زوجته روبيكا.
استطاعت قوات الحكومة في فترة من الفترات إلقاء القبض على العقيدأورليانو، وحكمت عليه بالإعدام، إلا أن القوة العسكرية التي كان من المقرر أن تقوم بتنفيذ حكم الإعدام به في قريته ماكوندو انضمت إليه في آخر لحظة، وبدأت بتحرير البلاد بقيادته، وحققت بعض الانتصارات، ورأى الناس فيها قوة ماسونية، لأنها ضد الكنائس ورجال الدين والفكر الديني، وضد مؤسسات الدولة كلها.‏

في إحدى المرات عندما استولى العقيد أوريليانو على قريته ماكوندو، كان يحكمها شخص برتبة لواء، اسمه اللواء مونكادا، والذي قام بعدد كبير من الإصلاحات، ولذلك أحبه الناس،إلا أن المجلس الثوري بقيادة العقيد أوريليانو حكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم، على الرغم من رجاء أم العقيد أوريليانو واسمها كما ذكرنا أورسولا، التي طلبت من ابنهاعدم تنفيذ الحكم، إلا أن ابنها لم يحترم رجاءها، علماً بأنها طلبت العفو عن اللواء مونكادا هي وكل نساء القرية.‏وقالت أورسولا لأعضاء المحكمة: " إياكم أن تنسوا أن الله مهما مد في آجالنا، فإننا سوف نبقى أمهات، ولنا الحق مهما بلغت درجة ثوريتكم ، أن ننزل بناطيلكم ، ونجلد أقفيتكم متى أخللتم بواجب احترامكم لنا ".‏
والأم أورسولا هي عرابة اللواء مونكادا ، أي أن هناك صلة قرابة بين العقيد أوريليانو واللواء مونكادا، إلا أن الأول لم يتردد في تنفيذ حكم الإعدام بالثاني، لأن الثورة تحتاج إلى حزم، وكذلك نفذ العقيد حكم الإعدام بأغلبية الضباط الذين وقعوا أسرى لديه، وأخذت الثورة تحارب الملكية الخاصة، وتراجع سندات التمليك، بهدف إلغاء الملكية الخاصة على وسائل الإنتاج، وحاربت أيضاً المؤسسات الدينية كلها.‏ إلاأن بعض الضباط الثوريين أدركوا عبثية الحرب والثورة، وأصيب العقيد أوريليانو بعد تنفيذ حكم الإعدام باللواء مونكادا بمرض غريب، وفسر سبب هذا المرض لأنه ظلم اللواءمونكادا، الذي أعدم وأحرق بيته لأن زوجته منعت العقيد من دخول بيتها، فقالت: له أنت قائد في جيشك وأنا قائدة في بيتي.‏
وانضم إلى صفوف الثوار أناس من كافة الاتجاهات، منهم الطموح، والمغامر والمجرم والهارب من القانون، وبعضهم كان يقاتل من أجل القتال نفسه، كانوا يجهلون سبب انخراطهم في الحرب. وكان العقيد أوريليانو لا يعطي أوامره بتصفية أعدائه، إلا أن مجرد أن يوجه أحد الناس له انتقاداً، كان هذا الشخص يقتل مباشرة، دون أن يأمر العقيد بقتله، لأن حاشيته تعرف بأنه يريد ذلك، ولا ضرورة لانتظار الأوامر.‏
ولكنه كان يصاب بنوبات برد شديدة، لا يعرف سببها وكانت والدته ترى أن سببها الظلم الذي ألحقه بالناس الأبرياء، إذ كانت أوامره تنفذ قبل أن يصدرها، وبشكل وحشي، وأقسى من كل تصوراته، وكان يمنع اقتراب الناس منه، تفصله دائماً عن الآخرين مسافة لا تقل عن ثلاثة أمتار. ولكنه أصبح يشعر أنه يحارب من أجل السلطة فقط، وليس من أجل أهداف أخرى، وشعر بعبثية الحرب، وشعر أن الجماهير لا تريد التغيير الذي حارب من أجله.‏
وعندما رأى أحد ضباطه أن هناك تغييراً طرأ على تفكير العقيد أوريليانو، أمر الأخير بقتل الأول، إلا أن والدة العقيد قالت لابنها معترضة على تنفيذ الأحكام: "سوف أخرجك من وكرك أنى اختبأت وأقتلك بيدي".. وتابعت الأم أورسولا: "وهذا ماكنت فعلته لو أنك ولدت بذنب خنزير" إذ كانت تخشى أن تنجب أطفالاً مشوهين . وقام العقيد أوريليانو وعفا عن خصمه، الذي شعر أن العقيد أوريليانو تحول إلى جزار.‏
وشعر الشعور ذاته العقيد أوريليانو، ولذلك أصبح يشعر بضرورة إنهاء الحرب، التي أصبحت بلا معنى. ولذلك قرر الموافقة على الهدنة، وأطلق على صدره رصاصة محاولاً الانتحار، لأنه لا يستطيع أن يستمر في الحياة دون حرب. إلا أنه جرح ولم يمت.‏
وعاد وحارب مرة ثانية إذ خرق الهدنة، واستمرت الحرب العبثية مدة تزيد عن عشرين عاماً، وكان بحاجة لذريعة لخرق الهدنة، فاعتبر أن رئيس الجمهورية هو الذي خرق الهدنة، إذ رفض دفع رواتب الضباط لأسباب معينة، فوجد العقيد أوريليانو في ذلك حجة لإشعال الحرب ثانية.
وكانت والدته ترى" أنه رجل لم يعرف الحب أبداً، حتى ولا زوجته ريمديوس ولا نساء الليلة الواحدة الكثيرات، اللواتي مررن بحياته، وأقل من هؤلاء وتلك أبناءه. لقد ظنت أنها اكتشفت أنه لم يقاتل في تلك المعارك عن مثالية،....". وإنما بدافع من الغرور ، وأنه غير قادر على الحب ، ولكنه في النهاية أقر بعبثية الحرب ، ولذلك تخلى عنها، وعاد إلى حياته العادية في قريته، وانعزل عن الناس، فلم يعد يستقبل أحداً، أو يذهب إلى أحد.‏
إلا أنه بمناسبة الاحتفال بذكرى نهاية الحرب، سمع أولاده السبعة عشر بالاحتفال وجاؤوا في وقت واحد، دون أن يتفقوا فيما بينهم على ذلك إلى القرية، وكان العقيد يشك أنهم جميعاً أولاده، وفي إحدى المرات عندما أراد العقيد أوريليانو أن يشعل ثورة ضد الأمريكيين الذين يحتلون البلاد ويعيثون فيها فساداً، قام مجهولون بتصفية أبنائه في ليلة واحدة. أما العقيد أوريليانو فلقد مات ميتة طبيعية. أما أخته أمارانتا فلقد أعلنت أنها ستموت في وقت معين، وجاءها أهالي القرية، برسائلهم إلى موتاهم، وبالفعل ماتت في الوقت المحدد .‏ بدأت المظاهرات بقيادة جوزيه أركاديو الثاني، فاعتقلت الحكومة قادة المظاهرات، ولكنها أخلت سبيلهم خلال ثلاثة أشهر، لأنها رفضت تحمل نفقات الإطعام، ورفضت شركة الموز التي بسببها اعتقلوا تقديم الطعام للمساجين، كانت الحكومة لا تعالج العمال المرضى، فيقدم الأطباء للمرضى دواءً موحداً بغض النظر عن المرض، فانفجر الإضراب العام، وكان جوزيه أركاديو يشبه كثيراً عمه العقيد أوريليانو، فهو يعيش لذاته منعزلاً عن الناس .‏ وكانت جدته أورسولا تشعر أن الزمن لا يمضي وإنما يدور حول ذاته، ومن هنا جاءت فكرة المؤلف ماركيز أن الموتى يبعثون من جديد.‏

في هذه الرواية نجد تعاطفاً من المؤلف مع الثوار، وإدانة لهم ، في الوقت ذاته، يتعاطف مع أهداف الثورة، ومن هذه الأهداف العدالة والمساواة، ويدين المؤلف الثوار لأنهم ينتهكون المبادئ ذاتها التي يناضلون من أجلها .‏


.. عشت لأروي ..


 



 
صدر الجزء الأول من مذكراته عام 2002م ، والتي تتناول المراحل الأولى من طفولة الكاتب منذ السابعة واصفا كيف نجا من مذبحة عام 1928م بمنطقة الموز في كولومبيا ، كما يتذكر فترة الطفولة الخصبة وهي مرحلة تكوينه الأساسية التي أعدته ليكون كاتبا متميزا بل من ابرز المبدعين العالميين ، كما تشمل مذكراته وصفا لـ مرحلة شبابه وعدد من العقود التي سبقت ميلاده وصولا إلى عام 1955م. حيث يلخص ماركيز حياته في كلمتين هما " عشت لأروي " مشددا على أن الحياة ليست ما يعيشه الإنسان وإنما هي ما يتذكره وكيف يتذكره ليرويه . عاش ماركيز مخلصا لحكمة تقول " إذا استطعت أن تعيش بدون كتابة فلا تكتب " . ولهذا يقدم في مذكراته تحية لرواد فن الحكاية ومن بينهم شاعر شيلي المشهور " بابلو نيرودا " والأديب الألماني " توماس مان " والروائي الأمريكي " وليم فوكنر " بالإضافة إلى إشادته بالكتابات الكلاسيكية كـ " ألف ليلة وليلة " وقصص " الكتاب المقدس " و " دن كيشوت " و " الكونت مونتي كريستو" و " ألأوديسا "
لا يعمد الكاتب إلى الإدعاء أو صناعة الأساطير عن نفسه أو عائلته ، بل يحكي أحيانا بصراحة جارحة عن فقر الطفولة . يبدأ ماركيز بطلب والدته له أن يرافقها إلى قرية اراكاتاكا لبيع منزل جده ، فتتزاحم في رأسه ذكريات الطفولة الأولى التي عاشها هناك في منزل الكولونيل السابق أبان الحرب الأهلية ، ويصور ماركيز في سيرته واقع القرى الكولومبية حيث عاش متنقلا مع أسرته بحثا عن الرزق وهربا من الفقر الذي كاد يكون ملازما له طوال مراحل حياته الأولى وعودته إلى قريته بعد رحيل الجد ومرض الجدة وعدم قدرتها على الاستمرار في إعالته . ويذكر كيف تغير حلمه في أن يكون موسيقيا جوالا تحت تأثير والده عازف الكمان ، وأمه التي كانت دائما ما تردد أهازيجها بأنها تريد أن تراه طبيبا يعالج الفقراء ، وتقول له دائما " أن الفقر يظهر في العيون " ، والتي يدين لها ماركيز بالكثير لأن يصبح من أشهر كتاب الروايات شهرة في العالم ودائما ما يشير إلى أنها تعتبر المعلم الأول له ، و يعترف بقوله " أظن أنني مدين بجوهر طريقتي في الحياة والتفكير لنساء الأسرة ونساء الخدمة الكثيرات اللواتي رعين طفولتي ، لقد كن يتمتعن بقوة الشخصية وطيبة القلب وكن يعاملنني بتلقائية الفردوس الأرضي " . كما يضيف " كان أبي أفقر مما يبدو عليه وقد اعتبر الفقر عدوا بغيضاً لم يستسلم له قط ولم يتمكن كذلك من هزيمته "
.
 يشير ماركيز في مذكراته إلى هجره لكلية الحقوق التي دخلها في فبراير عام 1947م بعد ستة فصول دراسية أمضاها قبل كل شيء في قراءة كل ما يقع تحت يده ، مشيرا إلى أنه كان يقرأ كل الكتب التي تكفيه لتعلم تقنية قص الروايات . ويلقي ماركيز الضوء على روايته في تلك الفترة وعلى القصص التي استلهم منها بعض روايته معيدا في الاعتبار قدرة الموهبة على إعادة تشكيل واقعية بعينها لا كما حدثت وإنما كما تصورها أن تكون . و يترك ماركيز نهاية المذكرات للحديث عن بعض أصدقائه الذين حكموا في أمريكا اللاتينية ، ومقربا من الجنرال البانامي عمر توريخوس ، وصديقا لـ فيدل كاسترو، الذي أهداه منزلا فخما تحيط به حديقة ، في منطقة سبوني ، التي كانت من أغنى مناطق هافانا ( كوبا ) ، يسكن فيها الأثرياء جدا والذين صادر كاسترو ممتلكاتهم بعد الثورة . وقد وضع كاسترو في تصرف الكاتب سيارة مرسيدس كلما أتى إلى الجزيرة ليقضي فيه بعض الوقت وأشار ماركيز إلى أنه رفض أن يوقع على الكثير من الوثائق التي تدين ديكتاتورية فيدلكاسترو خلال الحملات التي قام بها كتاب لاتينيون ـ أمريكيون ، اعتراضا على سجنه لمثقفين وأدباء كوبيين ، وقد أثار موقفه هذا الكاتبة الأمريكية الراحلة سوزان سونتاغ ، فإنتقدته بشدة كما أدانته الأديبة الأسبانية روزا مونتيرا في كتابها عن المخيلة ( مجنون البيت ). وتحمل مطوية الغلاف الأخير من كتاب مذكراته ما يمكن تسميته تقديما للرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي تحدث عن المذكرات وكاتبها قـائلا : " أنه يقوم في هذه المرة بتقديم بعض نفسه بصراحة وببراءة وبحميمية تظهر مثلما هو عليه في الحقيقة .. رجل مستقبل لا نستطيع إلا أن نشكره لأنه عاش هذه الحياة كي يرويها " . وقد صدرت ترجمتان عربيتان للجزء الأول من مذكراته .


 
.. غريق على أرض صلبة ..

هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي كتبها ماركيز في المجلة الإخبارية الأسبوعية كامبيو " Cambio " والتي قام ماركيز بشرائها بقيمة جائزة نوبل للآداب التي فاز بها عام 1982م .. هذه المقالات كانت عبارة عن حوارات وردود كان ماركيز يكتبها ردا على استفسارات وأسئلة قراء المجلة .. كانت هذه المقالات وسيلة للتحاور مع قرائه يشبع فيها هوايته المفضلة . وتكشف لنا هذه المقالات عن جوانب كثيرة لم تكن معروفة عن حياته وتغوص في أغوار مطبخه الأدبي لتكشف لنا الكثير من أسرار أشهر أعماله .. وعلى الرغم أن الكثير من النقاد أشاروا إلى أن الهدف الأساسي من هذه المقالات كان لجذب القراء بهدف زيادة التوزيع وتحقيق الربح للمجلة ، إلا ان القارئ لها بعناية يستطيع أن يكتشف بسهولة بصمة ماركيز عليها وآراءه اللاذعة المغلفة بلكنة السخرية والتي قد تأخذ طابع سياسي في بعض الأحيان  .

.. نعيشها لنرويها ..












لا نبالغ إذا قلنا إن كتاب "نعيشها لنرويها" هو أكثر الكتب حميمية ، والتي انتظرها القراء في العقد الأول من بداية هذا القرن بشغف . إنه يوجز ويعيد خلق الزمن المفصلي في حياة الكاتب "غابرييل غارسيا ماركيز"، .يقدم لنا الروائي الكولومبي في هذا الكتاب محصلة تجربته والأساس الذي قامت عليه قصصه ورواياته، التي تفخر بها الآداب المكتوبة باللغة الإسبانية، والآداب العالمية في القرن العشرين. إننا أمام مذكرات تحكي لنا حياة "غابرييل غارسيا ماركيز" وتكشف لنا أحداثاً ووقائع غير مسجلة في التاريخ الرسمي المكتوب. وتفصح عن ملامح وأصداء شخصيات وأحداث سكنت رواياته مثل: "مئة عام من العزلة"، و"الحب في زمن الكوليرا"، و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، و"وقائع موت معلن"، وأعمالاً أخرى تجعل من هذه المذكرات دليلاً لها. انه يضيء مشاهدات انحرفت عميقاً في الذاكرة، وتكتسب بعد قراءة هذه المذكرات آفاقاً جديدة تبين مدى علاقة النص بالواقع، ومدى مقدرة الخيال على إبداع النص منه. إننا أمام حياة رجل حولها إلى رواية، رواية جديدة لعالم ما يزال يعيشه ماركيز كي يكتبه في فصول لاحقة من مذكراته. إنها رواية تحمل الصدق في عالم يكاد يخلو من الصدق  .


لا أحد يكاتب الكولونيل











نشرت هذه الرواية القصيرة عام 1958م في مجلة " ميتو Mito " ولم تصدر على شكل كتاب إلا عام 1961م، كانت في الأصل مادة لرواية "ساعة نحس" التي صدرت عام 1962م، ولكن الكاتب عزم فيما بعد على نشر النص في كتاب مستقل. تتناول هذه الرواية القصيرة، قصة الكولونيل الذي حكم عليه منذ نهاية آخر حرب في سلسلة الحروب الأهلية في كولومبيا في بداية القرن العشرين بالعطالة التامة عن العمل . وتصور الرواية هذه القصة بصورة مقتضية وبدون أية إضافات خيالية أو شعرية، "أمين صندوق الثورة السابق في مقاطعة ماكوندو" ينتظر راتبه التقاعدي الخاص بالمحاربين القدامى، منذ ما يزيد على ست وخمسين سنة. وتعد جولته الأسبوعية عند الميناء من الطقوس المخيبة للآمال، حيث ينتظر الكولونيل وصول مركب البريد كل يوم جمعة، ولكنه لم يكن يحمل له شيئا في أي يوم، فيعلق موظف البريد بقسوة: "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" ولم يبق للكولونيل أية أملاك أو ثروة سوى ديك الشجار الذي يعتبر ذكرى من ابنه أغوسطين الذي قتل رميا بالرصاص قبل تسعة شهور لقيامه بتوزيع منشورات ضد الحكومة العسكرية، فيجبر الفقر والجوع الكولونيل وزوجته المصابة بالربو على بيع الديك في النهاية، وما أن يضع الكولونيل عربون المشتري في جيبه، حتى تدخل الرواية منعطفا كبيرا، فيأخذ رفاق أغوسطين، الذين يتخذون من محل الخياطة نواة للمعارضة اللاشرعية في القرية، الديك ليومه التدريبي الأول استعدادا للمباراة المقبلة، وفي حلبة القتال يعيش الكولونيل حماس الشباب المثير، فالديك الذي يخصهم جميعا يكسب أهمية تتجاوز المباراة ويصبح رمزا للتضامن والمعارضة الفعالة. وعندما يأخذ الكولونيل الديك معه مجددا، يشعر بأنه لم يمسك بين يديه من قبل "كائنا دافقا بالحياة مثل هذا"، وتلمح زوجته إلى أن "المرء لا يمكن أن يأكل الوهم"، "ولكن الوهم يغذي" تكون إجابة الكولونيل الذي أصبح مستعدا الآن، "حتى الانتصار المنشود للديك"، أن يأكل "برازا" إن تطلب الأمر.

.. خريف البطريرك ..










تعد رواية غابرييل غارسيا ماركيز-"خريف البطريرك " من أروع الروايات العالمية المعاصرة، وهي بحق ملحة العصر في أميركا اللاتينية والعالم الثالث، يقرأ منها القارئ قصة الحياة على شاطئ الكاريبي، بكل ما فيها من حب وكراهية، من عادات وتقاليد، من ثقافة وفن من ظلم ورحمة، من سياسة وأساليب حكم، من نفوذ للأجنبي (الأميركي والأوروبي) ومداخلات لسفرائه وقناصله، من عساكر ومدنيين، من حروب وثورات وفتن، من حيوان ونبات... من تدين وزندقة، وإذا كانت أميركا اللاتينية هي أرض الملحمة، فإن زمانها مديد إذ يتجاوز القرنين، أما الأبطال فيتعددون وتتنوع عواطفهم، وآراؤهم، الذي يعايش جميع أجيالهم طوال 232 عاماً هي ليست حياته، بل حياة أسلافه و أخلافه من الدكتاتوريين الذين تتغير أسماؤهم وعصورهم، ولا تتغير أساليبهم، أربعة عشر دكتاتور أظهرت صورتهم في المرآة مكررة صورته هو، صورة البطريرك الذي اختاره ماركيز لمثلهم جميعاً، عبارة ماركيز في هذه الرواية جاءت شعرية، حتى ليمكن القول إن الرواية هي قصيدة حديثة واحدة قسمها إلى ستة فصول ، و أن هذه الشعرية في الرواية أغنت العمل، بحيث تبدو مقارنتها بروائع ماركيز الأخرى غير ممكنة  .


.. قصة موت معلن ..

أحد أقصر روايات ماركيز ، تدور أحداثها حول مقتل بطل الرواية " سنتياغو نصار " في جو من الثأر العائلي واسترداد الشرف المفقود في جو لاتيني محافظ نوعا ما. ستُصدم عند قرائتك للصفحات الأولى من الرواية بتصريح ماركيز عن موت بطل القصة ، لكن مع ذلك ، لم يقلل إعلانه عن موت البطل في أول اسطر الرواية من هول الموقف الأخير والأحداث المصاحبة له أبدا .. و تحكي لنا الرواية عن طريق الاسترجاع الزمني تفاصيل الأحداث المصاحبة لموت سنتياغو ، وجميع الدلائل والعلامات ، ومعرفة الكل بالجريمة التي ستحدث قبل وقوعها عدا صاحب الشأن فقط ، تتابع وتصاعد رهيب وسريع ومؤثر في أحداث الرواية ، أناس تحكي ، وأناس تبكي . والحقيقة الأخيرة، والخيط الفاصل في كل هذه الأمور ، مازال في قلب فتاة صامته ترفض الإفصاح لمن حولها بالاسم الحقيقي لحبيبها .

.. ذاكرة غانياتي الحزينات ..











تعتبر أيضا من روايات ماركيز القصيرة .. تحكي الرواية عن مذكرات رجل تسعيني رفض الزواج والارتباط أثناء حياته السابقة ، وعندما وصل إلى التسعين سنة ، قرر الاحتفال بميلاده بطريقة غريبة ، تتطور أحداث الرواية من هنا .. وتتشعب.. وتكشف لنا الجانب الإنساني الطيب داخل البشر ، العقد التي تنمو مع الإنسان منذ الصغر ، الرغبات والطموح ، الحاجة والفقر ، الحب والعشق الحقيقي ، وتصارع وتضارب الرغبات داخل النفس البشرية لبطل الرواية وفتاته ذات الأربعة عشرة سنة . أحداث الرواية و تناقض أفكار العجوز ومبادئه تجذبك على طول خط الرواية ، إلى أن تصل إلى أخر إحداثها وتكتشف السبب الحقيقي والرئيسي لعقدة البطل وبصورة غير مباشرة إطلاقا..

.. ايرينديرا البريئة ..



















رواية مؤلمة لماركيز .. تحكي عن فتاة صغيرة تدعي ايرينديرا ، تعيش مع جدتها المستبدة والتي تستغلها أبشع استغلال طول سنوات حياتها ، منذ الصغر وحتى موت العجوز .. تبدأ الأحداث والمأساة الأكبر والأعظم في حياة ايرينديرا ، عندما يحرق منزل العائلة بسبب سقوط شمعه بعد نومها وهي مرهقه من طلبات العجوز ، وتبدأ من هناك مأساتها الحقيقة ، ويبدأ طمع الجدة وظلمها للفتاة يزداد يوما بعد يوم.. تبدأ في بيع الفتاة وتنتهي بالتنقل بها من مدينه إلى أخرها سعيا للحصول على المال تعويضا عما قامت بحرقه في منزلها سابقا .. ظلم ، قهر ، خوف ، حب ، رغبة جامحة في التحرر من ذل العبودية والاستغلال الجسدي البشع.. كل هذا يدفع ايرينديرا للتخطيط والتخطيط حتى تنال هذه الحرية ، لكن حتى للحرية التي نالتها ثمن كبير صعب عليها دفعه وتقبله في النهاية


.. بحار تحطمت سفينته ..

رواية قصيرة من روايات المبدع ماركيز ، تحكي هذه الرواية مأساة رجل يصارع الموج في عرض البحر على طوف من الخشب القاسي ولمدة عشرة أيام ، وبدون طعام أو ماء .. ولكن تتغير الأحداث فجأة بعد أن يصل إلى البر ويُعلن بطلا قوميا وتقبله ملكات الجمال , ويصبح ثريا بفعل الدعاية .. وتتسارع الأحداث مرة أخرى لتنتهي الرواية بنبذ الحكومة له فيـعيش منسيًا على مدى الأزمان .


.. مهمة سرية في تشيلي ..

هذا الكتاب عبارة عن نص تقريري في طبيعته وفي طريقة عرضه ، ولكنه في الحقيقة أكثر من ذلك .. هو إعادة بناء عاطفية لمغامرة هي دون شك في حقيقتها المطلقة أكثر عمقا وتأثيرا من الغاية الأساسية من القصة وهي صنع فيلم هزلي عن مخاطر القوة العسكرية وجبروتها و يبين كيفية استغلال المناصب العسكرية لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية . وقد قال ماركيز على لسان شخصيته في الكتاب واسمه " ليتين" : هذا العمل ربما لم يكن أكثر أعمال حياتي بطولة ولكنه أكثرها شأنا ". وانه كذلك في هذه الرواية ، وهنا تكمن عظمته .

.. عاصفة الأوراق ..











"   في أثناء وصولنا إلى (ماكوندو(  بعد الحرب، أبدينا تقديرنا لنوعية تربتها الجيدة وكنا على علم بأن عاصفة الأوراق آتية ذات يوم ولا شك في ذلك ، ولكننا لم نأبه بحملتها. ولهذا السبب، وقت أن تأكد لدينا أن السيل قادم، ما عاد أمامنا سبيل آخر . إلا أن نضع صحنا فيه سكين وشوكة خلف الباب ونجلس صابرين ونحن بانتظار القادمين الجدد حتى يتعرفون علينا . ثم ما لبث القطار أن أطلق صفيره لأول مرة.. فما كان من عاصفة الأوراق عندها إلا أن تستدير وتندفع مرحبة به، إلا أنها في اللحظة التي استدارت فيها فقدت صورتها" ماركيز .


.. قصص من أمريكا اللاتينية ..

إذا كان الأدب هو مرايا الشعوب ، وهو كذلك في الجوهر ، فهذه القصص تعكس نبضا من أحوال شعوب أمريكا اللاتينية القارة الساحرة ، والفقيرة ، والمنهوبة . وهذه عشرون قصة تطل بنا على عالم الإنسان والغابات والأنهار والبحيرات والشقاء البشري عبر الصراع مع الآخر والطبيعة ، عالم تختلط فيه القسوة والعنف ، والبراءة ، في وقت واحد . تبدأ القصص بأحداث ووقائع غريبة ، مدهشة ، تكاد تضعنا على حافة الولادة الأولى لكون غامض ، مثير مفعم بالشمس ورائحة الغابات والقتل وعذاب البشر .




.. إثنتا عشرة حكاية تائهة ..

يحتوي هذا الكتاب على اثني عشر قصة قصيرة مهاجرة، مترجمة تستند في مادتها إلى وقائع صحفية، ولكنها متحررة من شرطها الأخلاقي بحيل شعرية. وهي بشكل عام تجعل العناوين التالية : "رحلة موفقة سيدي الرئيس"، "القديسة"، "طائرة الحسناء النائمة" "أؤجر نفسي لكي أحلم"، "جئت أتكلم بالهاتف فقط،" "رعب أب"، "ماريا دوس براسيرس"، "سبعة عشر انكليزياً مسموماً"، "ريح الشمال"، "الصيف السعيد للسيدة فوربيس "، " الضوء مثل الماء "، "أثر دمك على الثلج" . أبصرت هذه الحكايات النور في حلتها بعد الكثير من التناسخ والمغامرة والنضال في مواجهة التردد . كتب ماركيز تلك الاثنتا عشرة حكاية خلال الثمانية عشر عاماً المنصرفة، قبل صيغتها الحالية كانت قصصا من ضمنها خمس نشرت في الصحف، أو حوّلت إلى سيناريوهات لأفلام سينمائية. وسادسة منها منحت لأحد أصدقاء ماركيز خلال لقاء سجّل صوتياً ، فنسخها وعمل على نشرها ، ثم احتوتها هذه النسخة بعد أن أعاد كتابتها مع بداية السبعينات، خطرت له الفكرة الأولى مكتملة إثر حلم مضيء.

.. في ساعة نحس  ..




















أشار ماركيز إلى أن الخيال الجامح في الرواية الأمريكية الأسبانية المعاصرة يرجع إلى محافظة الروائيين على مفردات كانت متداولة في اسبانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ، وأنطلق ماركيز في رواية ساعة نحس مستفيدا من أحداث ومنجزات الرواية المعاصرة ليشيد صرح عالم روائي يجذب نظر المرء بمختلف جماليات العمل الفني
اصطلاح العزلة غائر في أعماق عالم ماركيز انطلاقاً من عالمه الخاص . والعزلة في عالم ماركيز تتجاوز كونها حالة، إنها تضرب جذورها، تتعمق تتكاثف، تتبلور تصبح في النهاية طريقة حياة في مواجهة الدوافع السياسية والاقتصادية الخارجية، وقوقعة العزلة لن تتحطم إلا حين يتصاعد الصراع فيغدو تطاحناً حتى الموت في مواجهة الاغتراب عن الطبيعة والآخرين والذات.

.. أجمل رجل غريق في العالم ..












عالم غارسيا ماركيز مليء بالحياة النابضة في الأشجار، والزهور والبشر والأبطال الوطنين، وشركات الموز والمعجزات التي تقبلها راضياً. وهكذا هو في هذه المجموعة القصصية " أجمل رجل غريق في العالم، ينسج في خياله صورة رجل غريق وقرية وقعت في غرام جثمان ذاك الغريق، وسوف تخلد القرية ذكراه" سوف يكسرون ظهورهم وهم يحفرون بحثاً عن عيون الماء وسط الأحجار، ويزرعون الزهور على المنحدرات، وبذلك يمكن للمسافرين على البواخر الكبيرة، في السنوات المقبلة، أن يستيقظوا في الفجر، فينساب عبير الحدائق إليهم في عرض البحر... هناك عالياً، حيث تسطع الشمس ببريقها الذهبي حتى أن أزهار عباد الشمس، لا تعرف إلى أي طريق تدير وجهها، نعم هناك عالياً، تلك هي قرية "استيبان". وهنا في هذه القصة يمسك ماركيز بالزمن كعنصر مراوغ ، حاضر وغائب في الوقت نفسه، مما يضفي على القصة مزيد من الغموض والجلال.


.. كيف تكتب الرواية ..  








يحتوي هذا الكتاب على ثلاثة عشر قصة حب تدور أحداثها في أميركا اللاتينية، . وهذه القصص التي جمعها ماركيز في هذا الكتاب كان قد أعدها خصيصاً للعرض على شاشة التلفزيون، والأفكار التي حولها هي من تقديم عشرة من العاملين في ورشة السيناريو التي كان يديرها ماريكز في مكسيكو، أما عمل "ماركيز" نفسه فتجلى بإعطاء هذه الأفكار طابعاً أدبياً وملامح خاصة تجعلها قابلة للتجسد على شاشة التلفزيون .


.. خبر اختطاف ..










في شهر تشرين الأول 1993م، اقترح ماركيز على " ماروخا باتشون " وزوجها " لبيرتو بيياميثار " أن يكتب كتاباً عن تجربتهما خلال اختطافهما لفترة ستة شهور، وعن المساعي الشاقة التي بذلها زوجها إلى أن تمكن من إطلاق سراحها . وقطع ماركيز شوطاً في كتابة المسودة الأولى عندما انتبه إلى أنه من المستحيل فصل عملية الاختطاف تلك عن العمليات التسع الأخرى التي جرت في الوقت نفسه في البلاد. فعمليات الاختطاف العشر لم تكن مختلفة-مثلما ظن للوهلة الأولى-وإنما هي عملية اختطاف جماعية لعشرة أشخاص مختارين جيداً، نفذتها الجماعة نفسها من أجل الهدف الوحيد نفسه . هذا الاكتشاف المتأخر اضطره إلى البدء مرة أخرى إلى كتابة مسودة جديدة ، حتى يكون لجميع الشخصيات هويتها المحددة جيداً وجوها الخاص . لقد كان ما فعله ماركيز حلاً فنياً (تقنياً) لرواية متشابكة كانت ستبدو في صياغتها الأولى مدوية وغير نهائية. ومع ذلك، فإن العمل الذي كان مقرراً له بهذه الطريقة أن ينتهي في سنة واحدة، امتد إلى ثلاث سنوات تقريباً، ودائماً بمساعدة دقيقة ومناسبة من جانب ماروخا وألبيرتو، اللذين أصبحت روايتهما الشخصية هي المحور المركزي لهذا الكتاب وخيطه الناظم .

 
.. خطبة لاذعة ضد رجل جالس ..

آثار نشر كتاب غابريل غارسيا ماركيز الأخير "خطبة لاذعة ضد رجل جالس" اهتمام النقاد في أميركا اللاتينية وإسبانيا. وذلك لوابل الشتائم التي تطلقها الزوجة غارسييلا (الاسم المؤنث لغارسيا) ضد زوجها الصامت والجالس على كرسيه، يقرأ جريدة، هذه الخطبة، هي بالأحرى مونولوج درامي، تنفض فيه الزوجة، كل المرارات التي تجمعت عندها طوال هذه السنين. هذه التلقائية من التصوير هي التي جعلت مسرحية غارسيا في أشد الأعمال إلى الواقعية، إذ فيه نقد لاذع للعلاقات الاجتماعية القائمة في مجتمع المرتشين "الراقي"، وكذلك تصوير كاريكاتوري للعلاقة الزوجية التقليدية وهذا ما أدخله تحت قائمة الكتابات الواقعية النقدية .

.. عن الحب وشياطين أخرى ..















في قصص هذا الكتاب التي تدور أحداثها في مدن أوروبية ، لم يخرج "ماركيز" عن خطه الروائي المعروف، إذ يجد القارئ قصصاً تمت روايتها بأسلوب متقن وتخيم عليها أجواء ساحرة ومزاج ساخر ولاذع لتواجد شخصيات واقعية مدهشة، ويحاول الكاتب فيها جميعاً أن يعبّر عن الضعف الإنساني وعن بؤس الحياة من خلال ما تتعرض له شخصياته إلى أمراض وموت . ومع أن هناك بعض الأحداث التي يصعب على المرء تصديقها؛ فإنها لا تخرج عن روح الأدب وخاصة الأدب الذي يمس عالم الخيال. إن نهايات القصص لا تهم كثيراً لأن سردها وحبكتها وتطور الحدث فيها هو الذي يشد القارئ، لأنه يعيش الحدث ويتمتع بلغة السرد اللذيذة والجميلة.


الحب في زمن الكوليرا :









 
صدرت هذه الرواية عام 1985م
وهي من أشهر روايات الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل في الآداب ، والذي أعلن خجله من حمل هذه الجائزة في الوقت الذي يحمله فيها مرتكبو المجازر في فلسطين ولبنان وصاحب البيان الشهير الذي يطالب المثقفين العرب بأخذ موقف قوي وموحد في نصرة القضية الفلسطينية ، وصاحب الرواية الأشهر "مائة عام من العزلة"
كان في ذهني وقبل أن أقرأ الرواية مواقف الرجل الجريئة و شخصيته المتميزة فهو نصير التحرر والحق و صاحب المبادئ التي تبدو غريبة أحيانا ومثيرة للدهشة مثل رفض تحويل رواياته لأفلام سينمائية حفاظا على حق القارئ في الخيال !! و هو متمسك بالحياة جدا لدرجة أنه يرفض الموت لأبطال رواياته وإن اضطر لقتل أحدهم فهو يصرخ ويبكيهم كما لو كانوا أصدقاء !!
الرواية مليئة بالزخم والأحداث لأنها تروي قصة رجل وامرأة منذ المراهقة وحتى ما بعد بلوغهما السبعين ، وتصف ما تغير حولهما وما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي و حتى تغيرات التكنولوجيا وتأثيراتها على نهر مجدلينا العظيم والبيئة الطبيعية في حوضه .
ولأن الرواية رواية "حب" كان اسمها حب ولأنها قصة حزينة في وسط حزين كان لا بد لماركيز أن يضيف "في زمن الكوليرا" والحاضرة كبطل رئيسي في الرواية كوحش منتشر في منطقة الكاريبي ذات الحر الخانق والفقر المدقع حاصدا البشر بشراسة لدرجة ترى فيها الجثث ملقاة في الشوارع ولا ينفذ منها حتى الأطباء أنفسهم .. 
ولأن مفتاح الرواية عند ماركيز يتشكل من الكلمة الأولى فقد ربط بين اللوز المر والغراميات الكئيبة في طريق الطبيب أحد أبطال الرواية لمعاينة حالة انتحار لمهاجر نكتشف فيما بعد أنه قد يعتبر شخصا زائدا في الرواية وأنه مجرد حدث ثانوي .. كما يموت الطبيب في اليوم ذاته بحادث آخر ليبدأ ماركيز في قص أحداث الرواية عائدا بذاكرة الأبطال ما يزيد على نصف قرن ..
البطلان الرئيسيان هما فلورنتينو ارثيا الذي يعشق فيرمينا اديثا وهي على مقاعد الدراسة وتبادله الحب عبر الرسائل فتطرد من المدرسة الدينية لأن المدرسة ضبطتها تكتب رسالة حب كما يرفض والدها التاجر هذا الحب لأنه يأمل لابنته بعريس من طبقة اجتماعية أعلى فيسافر بها بعيدا عن المنطقة ويغيب فترة يظنها كافية دون أن يدرك أن ابنته كانت على اتصال مع حبيبها طيلة الوقت بوساطة التلغراف وتعلقت به إلى أن اعتبرته خطيبا لها
والمفارقة المدهشة والتي ستكون بداية المأساة أنها وبعد ثلاثة سنوات من حبها له عبر الرسائل شبه اليومية لم تقترب منه بدرجة كافية كما في حصل ذات مرة في السوق وهي تشتري أغراض الخطوبة لتفاجأ بان حبها مجرد "وهم" وتذهل كيف أحبت ذلك "الطيف" المفتقر إلى الملامح المحددة فتنهي الأمر بقرار فردي
ثم تتزوج من طبيب جذاب خريج أوروبا يحظى بمباركة والدها نظرا لمكانته الاجتماعية وتعيش معه سعيدة طوال 52 عاما من عمرها ، تسافر فيها معه إلى أغلب أنحاء أوروبا وتتفنن في جمع كل ما هو غريب لتعرضه بعد عودتها على الأصدقاء والمعارف ، و تساهم وزوجها الطبيب في النشاطات الاجتماعية والثقافية في البلاد وتنتقل إلى طبقته بتفوق وتنجب منه وتنسى حبها الأول الذي لا ينساها للحظة ويعاهد نفسه على الزواج منها حتى لو أدى به الأمر أن ينتظر أو يتمنى وفاة زوجها !!
وبعد أن كان يرفض أن يعاشر غيرها رغم أنه يقضي وقته في فندق خاص بعمه بين عصافير الليل اللواتي يتكسبن عن طريق جسدهن دون أن يعيرهن اهتماما ، إلا أنه بعد زواجها وتعرضه لحادثة (اغتصاب) من قبل امرأة لم يتح له معرفتها ، يحاول أن يدفن نفسه في العلاقات الجنسية مع النساء بحثا عن الحب وكمحاولة للتعويض بطريقة الأخذ أكثر من العطاء ودون أن يذهب في أي علاقة إلى حد الالتزام لأنه يريد أن يظل حرا على أمل الاقتران بفيرمينا داثا
وفي الوقت ذاته يرتقي في عمله في شركة النقل النهري التي يملكها عمه بفضل اجتهاده وسعيه لمكانة ترضي حبيبته مع مساعدة المرأة الوحيدة التي عرفها كصديقة دون أن يضاجعها ، فيما بقية النساء كثيرات العدد يصورهن ماركيز بالشهوانيات غالبا غير المخلصات والميالات للخيانة بسهولة ، مركزا على الأرامل اللواتي يبدأن الحياة الحقيقية بعد وفاة أزواجهن !! 
ورغم أنه كان يحب النساء اللواتي يعرفهن بطريقة ما ويحببنه إلا أنه كان يعتبر نفسه طوال الوقت زوجا لفرمينيا اديثا ويحافظ على سرية تلك العلاقات ويرفض أن تقاسمه أي منهن سريره في بيته والمعد فقط لها 
ولم يكن يعذبه ضميره أو يحوله عن تصميمه شيئ حتى حين كان سببا في قتل إحداهن من قبل زوجها بسببه وحتى حين انتحر ت تلك الطفلة التي كان وصيا عليها وتصغره بستين عاما فيما كانت تشاركه سريره لأنه صدها بعد وفاة زوج فرمينا داثا أخيرا
زوج فرمينيا داثا كان طبيبا مثاليا ، يحب زوجته دون أن يخلو الأمر من نزوة تعرض لها وضحى بالمرأة التي كانت زنجية في سبيل زوجته ودون أن تخلو حياة طولها نصف قرن من بعض الرواسب والخلافات لتظل سعيدة بمعظمها وحتى موته .. لينكشف بعدها وعن طريق الصحف التي تترصد الطبقات العليا أنه كان على علاقة بصديقتها فتنقم عليه شاعرة بالإهانة حتى وهو متوفى ..
الأحداث كثيرة ويصعب عرضها كما يصعب إعطاء خط عام للشخصيات التي رسم ماركيز تفاصيلها بريشة متقنة ، دون إطالة ولكن الخط العام للرواية يروي إصرار فلورنتينو ارثيا على الوصول لهدفه في الزواج من فرمينا داثا وإخلاصه لهذا الهدف رغم أننا في مرحلة ما نظن ذلك شبه مستحيل فهو يتعجل و يسارع لتقديم عهد الحب لفرمينا داثا في نفس يوم وفاة زوجها مما يجعلها تطرده بكيل من الشتائم ، ولكنه لا يفقد الأمل ويستمر في محاولة كسب صداقتها بطريقة عقلية هذه المرأة حيث لم تعد الرسائل العاطفية لها من تأثير مع امرأة في السبعين
يرسل لها رسائل عبارة عن تأملات في الحياة والزواج والشيخوخة تنال رضاها وتساعدها على تقبل الشيخوخة والموت بطريقة أفضل وتقبله شيئا فشيئا كصديق من عمرها تتبادل معه الأحاديث والتأملات فيما لا زال هو يرى فيها الحبيبة رغم تبدل مظهرها وذبولها وتجاوزهما العقد السابع ، ويتصادقان مع تشجيع ابنها الذي يفرح لأن أمه وجدت رفيقا من عمرها يتفاهم معها ومع نقمة ابنتها التي ترى الحب في هذه السن (قذارة) ، مما يؤدي بالأم لطردها من بيتها
أحداث الرواية الأخيرة تدور في سفينة نهرية حيث يدعو فلورنتينو ارثيا حبيبته لرحلة نهرية على سفينة تمتلكها شركته فتوافق وهناك يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها لا يصلح للحب ولكن هذا ما كان يمنع فلورنتينو ارثيا من الاستمرار بالأمل والسعي لراحتها فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق ويثبت أنها خدعة غير موفقة مع الحجر الصحي وتدخل السلطات ..
وهنا تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين الذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب


.. الموت رابض وراء الحب ..

يختصر ماركيز التفاصيل بكلمات معبرة جدا ، فتجد نفسك على معرفة كاملة بشخصية بطل القصة للتعايش معه بكل لحظة ، بالرغم من قصر القصة إلا إنها عميقة بجوهرها ورسالتها ، بطل القصة السيناتور "أونسيمو" يبلغ من العمر 42 عاما ، تخرج من جامعة جوتنجن بمرتبة الشرف كمهندس تعدين ، قارئا نهما للكلاسيكيات اللاتينية .. وإن كان لم يستفد كثيرا من هذه القراءات في خطبه أو في حياته ، متزوج من امرأة المانية ، أنجب منها خمسة أطفال ، كانت عائلة سعيدة إلى أن علم أنه سيموت إلى الأبد في عيد الميلاد المقبل .

.. كوبا في زمن الحصار ..

يقدم لنا ماركيز ببراعة مذهلة بانوراما مكثفة عن كوبا، ينتقل فيها من تفصيل إلى تفصيل، يقدم مشهداً عاماً حيناً، وتفصيلاً لا يُرى إلا بالمجهر في حين آخر، ولكنه مبدع في كل ما يقدمه... وقد أبدع في صياغة هذه المقالات حول كوبا والتي تتحول ناطقة حية من خلال أسلوبه وعباراته، حتى كأن القارئ يسمع نبضها ويحس أن الحياة هي التي تتحدث، وتصرخ وتهمس، وتختفي وتبوح.

.. الأم الكبيرة ..

يتكون هذا الكتاب من ثماني قصص مختلفة الطول كتبها ماركيز جميعاً عام 1962م وهي:

قصة " قيلولة يوم الثلاثاء "
هي قصة امرأة فقيرة تستقل القطار مع ابنتها العنيدة لتزور قبر ابنها الوحيد الذي قتل في بلدة غير تلك التي يعيش فيها ثلاثتهم ، وقد قتل هذا الابن برصاصة أطلقتها عليه صاحبة المنزل الذي كان يحاول تحت جنح الظلام أن يفتح بوابته لسرقته . هو بيت سيدة غنية اسمها "ربيكا" ..

قصة "يوم من هذه الأيام "
هذه الأقصوصة تصف زيارة يقوم بها عمدة بلدة كولومبية إلى عيادة طبيب أسنان ليخلع له الطبيب ضرس العقل الذي يؤلمه منذ خمسة أيام. ويقول المؤلف في هذه القصة: إن طبيب الأسنان لا يحمل شهادة، ويصف العيادة فيقول: إنها عيادة فقيرة، سقفها متهدم. ويصف المؤلف كذلك ألم الضرس المبرح الذي يجعل حياة العمدة جحيماً واستعدادات طبيب الأسنان لخلع الضرس ثم عملية الخلع ذاتها وما سببه للعمدة من ألم شديد، لأنها تمت بدون تخدير.

قصة " ليس في هذه القرية لصوص "
فهي قصة صعلوك شاب اسمه "دامازو"، يعيش في بلدة صغيرة ليس له من المؤهلات سوى وسامته وأناقته وعينيه الجميلتين. وقد تزوج من امرأة تشتغل بغسل الملابس وكيها، وهي تنفق عليه، وخطر لدامازو أن يسرق "صالون البلياردو" الذي كان يتردد عليه، فكسر قفل باب الصالون ليلاً، ثم تسلل إلى داخله وفتح درج الخزانة، ولكن لم يجد فيها شيئاً. ولكي لا يعود خالي اليدين سرق كرات البلياردو الثلاث وأخفاها في حفرة في بيته، تحت الفراش. وبحثت الشرطة عن سارق الكرات، ثم قبضت على زنجي من غير سكان البلدة وأوسعته ضرباً، ثم رحلته إلى مدينة أخرى وذات ليلة عاد "دامازو" إلى بيته وقد لعبت الخمر برأسه، وأخرج الكرات من مخبئها وذهب إلى صالون البلياردو وكسر القفل الذي وضعوه مكان القفل القديم ودخل إلى الصالون وتهيأ ليضع الكرات مكانها وإذا بصاحب الصالون الذي كان نائماً فيه يوقد النور ويفاجئه، ويتهمه بسرقة 200"بيزو" علاوة على الكرات البلياردو. وأهم شيء أراد المؤلف إبرازه في هذه القصة هو تعسف السلطة وفسادها.

قصة " بلتزار العجيبة "
قصة نجار رقيق الحال اسمه "بلتزار" طلب منه ابن رجل غني اسمه "خوزيه مونتييل" أن يصنع له قفصاً كبيراً، وصنع بلتزار القفص، وتفنن في صنعه، وذهب إلى بيت "مونتييل" ولكن هذا الأخير رفض أن يشتري القفص، ولام بلتزار لأنه نفذ طلب ابنه بدون أن يرجع إليه.

قصة " أرملة مونتييل "
هذه القصة إن جاز أن نصفها بهذا الوصف - لتكمل القصة السابقة وقد أطلق المؤلف عليها اسم "أرملة مونتييل" وكان بإمكانه أن يسميها "ثروة مونتييل" فإن محورها في الواقع هو هذه الثروة و كيف تكونت، وما الذي ترتب على جمعها فيما يتعلق بأسرة صاحبها وبالمجتمع الذي يحيط به، وما آلت غليه، وأحوال أرملة صاحبها بعد وفاة زوجها.

قصة " يوم بعد يوم السبت"
فتثير لدى القارئ عدة تساؤلات: أهي من القصص الخرافية التي كان ماركيز يسمعها من قريباته ومن خادمات بيت جده الهنديات الحمر وهو حفيد؟ أن هي قصة مستلهمة من "الكتاب المقدس" الذي يتحدث عن بلاد ابتلى الناس فيها بالضفادع والجراد والقمل؟ أم هي قصة متأثرة بفيلم "هتشكوك" الذي تغير فيه أسراب من الطيور المتوحشة على إحدى المدن الأمريكية الصغيرة؟ أم هي ترمز إلى شيء آخر!؟

قصة "زهور صناعية"
فمن المحتمل أن تكون في خطوطها العريضة على الأقل قد بنيت على واقعة حقيقية شاهدها المؤلف وهو طفل في بيت جده لأمه، الذي كانت تعيش فيه جدته الكفيفة مع بناتها، والذي كانت تفد إليه قريبات كثيرات. وهي قصة فتاة وجدتها الكفيفة، و تكمن طرافة القصة أساساً في أن بين الفتاة والجدة ما يشبه الصراع.

قصة " جنازة الأم الكبيرة "
وهي قصة أشبه بالأحلام، أو بالأساطير، وهي قصة ليس في أحداثها من الواقع شيء، وإن كانت خلفيتها تعد واقعاً حقيقياً، وهي كالأساطير والأحلام، وتلغى فروق الزمان والمكان في مجرى الأحداث، كما لا تتقيد بطبيعة الأشياء، فتجمع بين المتناقضات، أو تربط بين أمور لا يربط بينها رباط، وتتخطى المسافات والأحجام، وتعمد إلى التهويل والمبالغة، وتجافي المنطق، وتطلق العنان للخيال.

الوجـه الخفـي للكاتـب الكولومبـي غابرييل غارسيـا ماركيـز

يعشق الملايين من القراء في مختلف أنحاء العالم مؤلف رواية ( مئة عام من العزلة ) لكن القليل منهم فقط يعرفون مناطق الظل الخفية في حياته والتي كشفها مؤخرا الكاتب البريطاني جيرالد مارتن في سيرة تليق بالكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز خاصة وأنها استغرقت 17 عاما من العمل المستمر. ذات يوم ، قال الشاعر الفارو موتيس أن حياة ماركيز تتجاذبها ثلاث مراحل متداخلة : المرحلة الشعبية والخاصة والسرية واليوم وبعد أن بلغ الثانية والثمانين من عمره ، مازال ماركيز يستمتع بخداع عالمه وإزالة الغشاوة عن عينيه في الوقت ذاته في مبالغة يصعب تصديقها وتلاعب موفق في نقل الحقائق الجارحة ، فعلى سبيل المثال ، مازال مؤلف سيرة ماركيز يتساءل إن كان الروائي الكولومبي يواصل الكتابة كما يدعي أم انه ألقى بقلمه نهائيا ؟.... يميل الأستاذ الجامعي جيرالد مارتن الذي ألف سيرة ماركيز إلى الوثوق به محاولا البرهنة على استثنائية حياة "غابو "-اسم التدليل لماركيز –غير القابلة للتصديق.. "هذا هو غابو ..انه يروي القصص باستمرار "..كان والده الإقطاعي غارسيا ماركيز يردد دائما ، لكنه مخترع لحبكات غريبة في كتاباته كما في حياته ..وكان الكاتب الكولومبي قد وافق على تصنيفه كساحر أو مشعوذ لاختراعه طريقة مبتكرة في الكتابة ولبلوغه الذروة في التعبير الأدبي والسياسي أيضا. في عام 1982 ، حصل على جائزة نوبل للآداب ، وكان ماركيز قد بدا حياته كصحفي لامع ثم مارس كتابة السيناريو وتخصص بعدها في الإعلانات ، كما كان وسيطا وسياسيا وكاتبا دراميا ونصيرا للآداب والفنون فضلا عن تأسيسه مدرسة للسينما في كوبا ومعهدا للصحافة في كارتاجين ....طاف ماركيز حول الأرض في فترة كان السفر فيها صعبا وكان ذلك مفخرة حقيقية بالنسبة لصحفي لا يملك مالا كافيا ولا يجيد التحدث بالانكليزية . وعمل وقتها في صحيفة ( هونغري ) الشيوعية و(باريس ) اللاتينية ومثلتا بالنسبة له مرحلتين مهمتين في حياته ، أولا بسبب سذاجة الصحفي الشاب المتأثر بالسلطة ، وثانيا بسبب العوز الشديد الذي عاشه .. لم يبتكر ماركيز شيئا في كتاباته بل استوحى كل شيء من حياته ، وبالنسبة لمن يجهلونها ، فان ماكوندو موجود ة ..تلك القرية الغريبة في رواية ( مئة عام من العزلة ) والقريبة من مدينة اراكتيكا التي ولد فيها غابو عام 1927 ، وهي منطقة زراعية مثمرة غزتها حملة أمريكية وقتل فيها مئات العمال بعد قيامهم بإضراب شعبي عام ..هناك ، تربى غابيتو الصغير في كنف جده الكولونيل ثم انتقل إلى حضن والديه وهما اللذان استوحى منهما قصة العاشقين في روايته الرائعة ( الحب في زمن الكوليرا ) ليتربى مع أشقائه وشقيقاته العشرة في مقاطعة كارتاجين .. منذ الطفولة ، بدأت آثار عالم ماركيز الأدبي حيث البيئة الاجتماعية القاسية وسحر السلطة وعائلة يسيطر عليها الإيمان بالخرافات والضحك والخوف من الموت ..وحيث الأسطورة أجمل من الواقع .. بعد سرد طفولته يتوقف كاتب السيرة جيرالد مارتن بعد ذلك عند موهبة ماركيز الأدبية لكنه لا يمتلك أسلوبه اللامع فيرويها بطريقته مشيرا إلى التأثيرات السياسية فيها مابين عام 1940 وأعوام الألفية الثالثة .. لقد بدأت علاقة ماركيز بالسياسة مذ كان طالبا في الكلية فعدم حصوله على المال يحرمه من المنحة الدراسية ويبعده عن الكتابة ..بعدها بدأت مرحلة الارتباطات السياسية والثورات والاشتراكية الأمريكية –اللاتينية وتمويل الزمر المسلحة في فنزويلا وأخيرا علاقاته مع ذوي النفوذ من أمثال ميتران وملك اسبانيا وكلينتون و فيدل كاسترو وصداقته مع القائد ماكسيمو ... مابين عامي 1967 و1985 ،بدا ماركيز يشكل خطرا وخضع لتجسس المخابرات المكسيكية عليه ومنعته الولايات المتحدة من دخول أراضيها ، لكن ماركيز لم يجابه تلك المواقف بالحقد بل تفرغ للكتابة وإبهار العالم بواقعيته السحرية مانحا أمريكا اللاتينية هوية مستقلة تماما ...واليوم ، يعيش ماركيز في المكسيك مع زوجته مارسيدس ويمتلك دزينة من المنازل المتواضعة الحجم .. تضم السيرة ايضا علاقته مع ولديه الاثنين ونظرته للنساء وسبب رفض المخرج الياباني اكيرا كوراساوا تحويل روايته (خريف البطريرك ) إلى فيلم سينمائي ..وتضم أيضا تعليقات البعض على أسلوبه ومنها ما قاله توماس بينشون (أوه ...تبا له ..ياله من كاتب جيد)! حملت السيرة عنوان (غابرييل غارسيا ماركيز ...حياة ). وتم نشرها في دار نشر غراسييه الفرنسية.

*ـ أخبار تناقلتها الصحف الكولومبية :



** ماركيز ( كولومبي جميع العصور ) **


وقع الاختيار على الروائي غابرييل غارسيا ماركيز ليكون ( كولومبي جميع العصور ) في استفتاء نظمته مجلة ( سمانا ) الكولومبية بين قرائها ، ونشرت نتائج هذا التصويت في عدد خاص ، حيث أحتل ماركيز المركز الأول بنسبة 18.93% من الأصوات ، تلاه مباشرة في المركز الثاني الرئيس الكولومبي الفارو أوربي بـ 5.88% من الأصوات ثم جاء في المركز الثالث أنتونيو نارينيو الشخصية المرموقة والذي يعتبر رائد استقلال كولومبيا عن أسبانيا والذي ترجم عن الفرنسية حقوق الإنسان وحصل على 4.86% من الأصوات .



**ماركيز يطل من الفضاء بـ مائة عام من العزلة **

الواقعية السحرية لصاحب جائز نوبل غابرييل ماركيز سافرت إلى الفضاء الخارجي تجسيداً لفكرة فريق من المهندسين الكولومبيين الذين بثوا قراءة لمقطع من الرائعة الأدبية "مئة عام من العزلة" عن طريق قمر صناعي صغير الحجم وضع في المدار الأرضي في مارس 2005م .
وقال " سيسار أو كامبو "، وهو مهندس فضاء ومدير لمشروع القمر الصناعي ومتعاقد كولومبي مع وكالة ناسا الفضائية ، إنه من دواعي سرورنا أن تكون الإشارة الأولى التي تم بثها من الأرض عبر هذا القمر الصناعي الجديد قراءة من قبل غابرييل غارسيا ماركيز للمقطع الأول من روايته
 ( مئة عام من العزلة ) تقديرا للمكانة التي يحظى بها هذا المبدع في قلوبنا نحن أبناء كولومبيا .
 

** الحكومة الكولومبية تعيد بناء المنزل العائلي للأديب الكولومبي غارسيا ماركيز **


The house in Aracataca where Gabo was born


أعلنت الصحف الكولومبية عام 2006م بأن الحكومة الكولومبية ستقوم بإعادة بناء المنزل العائلي لغابرييل ماركيز تكريما لهذا الكاتب العظيم ، وقد خصصت وزارة الثقافة83 ألف دولار لتكاليف إعادة الترميم ، ويعتبر هذا المنزل المكان الذي ولد فيه ماركيز عام 1927م بمدينة اراكاتاكا.


** ماركيز يوافق على تصوير << ذاكرة غانياتي الحزينات >> **


وافق الكاتب الكولومبي العالمي غابرييل ماركيز على تحويل روايته الأخيرة ( ذاكرة غانياتي الحزينات)  إلى فيلم سينمائي مكسيكي ـ دنمركي . واشترط الكاتب الكولومبي إن تكون كوبا مكانا لتصوير الفيلم. وقد عللت منتجة الفيلم راكيل غواخاردو سبب اختيار ماركيز كوبا مكانا لتصوير أحداث الفيلم، بالعلاقة الوثيقة التي تربطه بهذا البلد. وسيقوم بإخراج الفيلم الدنمركي هيننغ كاريسين. ومن المتوقع أن يبدأ التصوير عام 2007م.





 
روابط تحميل كتب غابرييل غارسيا ماركيز :

1- بائعة الورد - غابرييل غارسيا ماركيز
2- مئة عام من العزلة - غابرييل غارسيا ماركيز
3- قصة موت معلن - غابرييل غارسيا ماركيز
4- الحب في زمن الكوليرا - غابرييل غارسيا ماركيز
5- خبر اختطاف - غابرييل غارسيا ماركيز
6- خريف البطريرك - غابرييل غارسيا ماركيز
7- الجنرال في المتاهة - غابرييل غارسيا ماركيز
8- الحب وشياطين أخرى - غابرييل غارسيا ماركيز
9- عشت لأروى - غابرييل غارسيا ماركيز
10- رجل عجوز بجناحين - غابرييل غارسيا ماركيز
11- كيف تكتب الرواية - غابرييل غارسيا ماركيز
12- لا يوجد لصوص في هذه المدينة - غابرييل غارسيا ماركيز
13- ذاكرة غانياتي الحزينات - غابرييل غارسيا ماركيز
14- سرد أحداث موت معلن - غابرييل غارسيا ماركيز
15- غريق على أرض صلبة - غابرييل غارسيا ماركيز

16- في ساعة نحس - غابرييل غارسيا ماركيز
17- عينا كلب أزرق - غابرييل غارسيا ماركيز

18- الأم الكبيرة - غابرييل غارسيا ماركيز
19- ليلة الكروان - غابرييل غارسيا ماركيز
20- مختارات قصصية - غابرييل غارسيا ماركيز
21- رحلة موفقة سيدي الرئيس - غابرييل غارسيا ماركيز
22- اثنتا عشرة حكاية تائهة - غابرييل غارسيا ماركيز
23- الموت أقوى من الحب - غابرييل غارسيا ماركيز
24- ثمن عشرين قتيلا - غابرييل غارسيا ماركيز
25- ايرينديرا البريئة - غابرييل غارسيا ماركيز
26- خطبة لاذعة ضد رجل جالس - غابرييل غارسيا ماركيز
27- أشباح أغسطس - غابرييل غارسيا ماركيز
28- مغامرة ميجيل ليتين السرية في تشيلي
29- قصص من أمريكية اللاتينية
30 – ليالي الحب والرعب
31- الجمال النائم والطائرة
32- قصص ضائعة
33- من الرأي إلى الإيمان
34- نزوة القص المباركة
35- عذرا على التأخير
36- ضوء مثل الماء
37- أجمل غريق في العالم
38 – جيرالد مارتن – سيرة حياة ماركيز

39 – في يوم من الأيام